أسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته فالدكتور غازي شخصية متميزة لها ثقلها الإبداعي والإداري، وكان رجل دولة ورجل إبداع، عمل في غير وزارة وسفارة فملأ الدنيا بنشاطه وحركته، وهو نشاط قدم فيه عصارة فكره وخبرته، وكان ناصحاً لأمته ديناميكيا في عمله واثقا في مواجهته للتحديات، فالجانب الإداري في حياته أخذ منه وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، وتجد تلك الخبرة الإدارية والعملية في كتابه في الإدارة، وأما الجانب الإبداعي فحدث عنه كما يقولون ولا حرج، فقد مارس هوايته في كتابة الشعر ونقده وكتابة السرد، وكانت إبداعاته محل اهتمام وعناية ومتابعة وبحث، وقد أشرفت على أول عمل إبداعي له مدروس في جامعات المملكة، وكان موضوعه «قضايا الرواية السعودية.. روايات القصيبي أنموذجاً» بجامعة أم القرى، وناقشت أيضاً رسالة عن النقد الأدبي عند غازي القصيبي بجامعة أم القرى، فإبداع القصيبي كان مغرياً للباحثين؛ نظراً لرؤيته المتفردة في هذا الشأن ولأدواته المشكلة لرؤيته. جمع بين الإدارة والسياسة والثقافة والأدب. لقد فقدنا بوفاته طاقة فريدة من طاقاتنا الثقافية والفكرية والإبداعية، فقد كان شاعراً وناثراً وروائياً ومفكراً، وبالقدر نفسه تماماً كان إدارياً محنكاً يجمع بين العلم والتجربة، والمعرفة والخبرة، وإلى ذلك فهو ممن احتشد بطموح وطني تجاه المستقبل، وامتلأ بثقة فريدة في القدرة على الصمود وتحدي المعوقات.. لقد ترك لنا القصيبي ثروة لا تنضب من المعاني والدلالات، سواء في سيرته العملية وهي الوجه الملموس والمشخص من أفقه الفكري وطاقاته الإبداعية، أم في دواوينه وأعماله السردية وكتبه ذات الكثرة والتنوع والثراء، وأشعر أننا لم نستفد من القصيبي كما ينبغي، وأشعر أيضاً أننا لم نكافئه كما يليق.. فليرحمه الله وليتغمده بواسع فضله وكرمه. الأيام تقطف ورقة الشعر الأجمل ها هي الأيام تقطف ورقة الشعر الأجمل.. تُغيّب أحد أبرز الشعراء المجيدين الحاليين وهو الدكتور غازي القصيبي صاحب الوزارة والإدارة.. السياسة والرواية والقانون.. إن كتب شعراً فتأسرك جماليات قصائده رقةً في الكلمات وقوةً في المعاني وجودةً في البلاغة.. وإن كتب نثراً تصبح الكلمات لديه لدنة مطواعة يحيلها بمهارة الصائغ وحذاقة الفنان إلى عقود من اللؤلؤ تبهر البصر وتتغلغل في الوجدان.. الناس أحبوه وزيراً وشاعراً، والأدباء أحبوه روائياً متميزاً، والقراء أحبوه كاتباً متألقاً تتماهى قصائده بين طيفين أو حالتين إحداهما تأتي وكأنها حد الموس؛ فقصيدة «الشهيد» كانت بمثابة طلقة المدفع، إذ زعزع النفوس السادرة في الظلم المتبلدة الإحساس في المشاعر، وأما دواوينه كأنها عرائس من الورود تضمخ الأنوف بأريج العطر يشتمها القارئ من خلال التعمق في معرفة القوة البيانية لتنطبع كأحلى القصائد في الذاكرة، ولرواياته السردية الذيوع والشهرة خصوصاً (العصفورية، وشقة الحرية) إذ تنم عن عبقرية فذة وموهبة نادرة قلما تتوفر في غيره، وأنا تأسرني مقالاته خصوصاً تلك السلسلة التي عنونها ب»عين الصحراء» كتبها بحبر قلبه أثناء حرب الخليج الثانية. القصيبي صاحب المواهب المتعددة رحل عن الدنيا.. ندعو الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).