هذه كلماتُ طالبٍ لأستاذه الراحل....د.غازي القصيبي....كتبها يوم أن حالت موجةُ الموتِ بينهما...
أتسمع صوتي المتهدّج؟!..أترى دموعي المتكوّمة على خديّ؟!....
أنا أعلم أنك ستشيح بوجهك عني فأنت لا تحب البكاءَ....ولا تطيق سماع َصوت ٍ للأحزان....
هذه كلماتُ طالبٍ لأستاذه الراحل....د.غازي القصيبي....كتبها يوم أن حالت موجةُ الموتِ بينهما...
أتسمع صوتي المتهدّج؟!..أترى دموعي المتكوّمة على خديّ؟!....
أنا أعلم أنك ستشيح بوجهك عني فأنت لا تحب البكاءَ....ولا تطيق سماع َصوت ٍ للأحزان....
هكذا عرفتُك
وأبياتك تشهد على ذلك:
وتأمّلتَني فقلتَ تجلّد
لا أطيق الدموع وهي تسيلُ
هذه سنة الحياة شروق
وغروب ومنزل ورحيلُ
وكبير يمضي ويأتي صغير
وفصول وراءهن فصولُ
أعقل الناس من يعيش ويدري
أنّ هذي الحياة طيف يزولُ
لكنّ ما تطلبه يفوق قدرتي....فرحم الأجفان يطلق الدموع رغما عني....ومارِد الوجوم يحكم قضمَ شفتيّ
سامحني....
إني مللتُ وقوفي كلّ آونة... أبكي وأنظم أحزاناً بأحزان
يا أستاذ كيف تريد مني أن أذوي دموعي؟... أو حتى أن أخفيها على الأقل.. وأنت...!!.. لا أجد كلمة تُعرِب عما بداخلي سوى أنك أنت...
أنت أنت الأستاذ يخلد فينا
حين يُنسى المبجّل المسؤولُ
آاااه يا أستاذ...كنتَ تحمل بين جنبيك نفسا نبيلة وبين إصبعيك قلما سيّالا...
كنتَ تمشي مع الملوك وحينا
في جموح المهمّشين تجولُ
كنتَ عُنفا ورقّةً وخصاما
وسلاما كأنّك المستحيلُ
أرجوك لا تجبني.. أعلم أنك ستقول لي هذه الأبيات:
(بنيّ)! كيف (حسبتَ) الموت فرّقنا؟!....وحبّنا بخلود الدهر ملتصقُ (1)
وحبّنا الأفْق لا تفنى كواكبُه.... وحبّنا البحر لا يجتاحه غرقُ
وحبّنا الأرض يطوي الثلجُ نضرتَها.... وفي الربيع يعود العشب والورقُ
لكن..كيف لي أن أصدّق ما تقوله الأبيات وأنا أرى رسائل التعزية أمامي...
كيف؟!...وأنا أشاهد الناس حولي يقبلون لتسليتي....وكأنني أتفرس ما سوف يقولونه لي....
ويهمس الناس:» أمر الله حكمته....مصيرنا الموت، هذا دربُ من خُلِقوا»
« صبرا!» وتجذبني الأيدي معزيّة....» صبرا!».... وأمضع بركاني وأختنقُ..... يا أستاذ.... إذا لم تمت فهل تسمعني؟... أجبني... أرجوك لا تحرقني أكثر....
يبدو أن سكوتك يعني أنك تنصتُ لما أقول....
حسنا...تتذكّر حين أتيتك بشفتين شاحبتين...ولسانٍ مثخنٍ بالجراح...وأطراف ٍمكلومة... لا تخف... أعرف أنك لم تتذكّر... فكثيرة هي الأيام التي رأيتَني فيها بهذه السّحْنة...
يا أستاذ...أقصد يومَ أن جئتُك أندب حظي... وقد ضقتُ ممن يحاولون إخماد عزيمتي... وعرقلة ثورة التصحيح في داخلي...
يا أستاذ... أرجوك... لا تحملق بي... كأنك لم تتذكّر....
يومَ أن سألتَني عن ذلك الجرح النازف في ساعدي الأيمن...فقلتُ لك وقد وطأتُ لساني بقدمي من شدة لهاث التعب:
« إنني قد ناجزتُ أخطبوط اليأس فنجوت منه بصعوبة»...
يبدو أن هذه أيضا لم تفلح في تذكيرك....تذكّرتُ شيئا جيدا لعله يذكّرك أكثر...حين قرصتَ خدي بقوة وقلتَ:
- دعك يا بنيّ من هذا الوهم... تخلّصْ من رحلة الأحلام التي رسمتَها في مخيّلتك.... فقد بالغتَ في رسم الورود والزهور والرياحين وبكل ما هو جميل دون أن تضع مكانا للوحول... والريح... والهجير والتعب....
يا بني..ما تقوم به ليس بصحيح.
ثم اقتربتَ بعدها من أذني وقلتَ بصوت متوهّج ثائر:
- اقترب مني.. لا أحب أن يسمع ما سأقوله أحدٌ.. فيطير به جذلا.... لا يكفي هذا... اِقترب أكثر... نعم هكذا أستطيع أن أهمسها جيدا....
يا بنيّ.. احفظ هذين البيتين لتصرخ بهما في وجه كل من يحاول تدميرك وتقويض أحلامك...
لا تهيئ كفني ما مت بعدُ...لم يزل في أضلعي برق ورعدُ
sultanmahyoub@hotmail.com