تتبوأ المملكة مكانة متميزة في تقديم العون والدعم والمساندة الإنسانية لحكومات الدول الشقيقة والصديقة ومساعدة وإعانة حكومات تلك الدول على توفير النماء والازدهار لشعوبها ومواجهة ما تتعرض له من أضرار وكوارث.
وقد أظهرت إحصاءات رسمية من الصندوق السعودي للتنمية أن قيمة المساعدات الخارجية خلال ربع قرن (الفترة من عام 1975 إلى 2000) للدول النامية بلغت 582 مليار ريال وشكلت نسبة 4% تقريباً من المتوسط السنوي لإجمالي الناتج الوطني وهي النسبة الأعلى بين جميع دول العالم.. ولم تقف المساعدات السعودية عند وقوع الكوارث بل تعدت ذلك إلى إعادة إعمار وبناء المدن والمناطق المتضررة بكامل مرافقها والعمل على إزالة آثار تلك الكوارث.
إن اهتمام المملكة بالأوضاع الإنسانية التي تتطلب تدخلاً إغاثياً عاجلاً ومبادرتها الدائمة إلى التخفيف من معاناة الإنسان، وجهودها المتواصلة في هذا المجال أعطاها صورة إنسانية مشرفة لدى دول العالم.
وخير دليل على ذلك ما يجري حالياً من تسيير للجسر الجوي إلى باكستان للمساعدة في التخفيف من المعاناة الإنسانية المترتبة على كارثة الفيضانات.
والإغاثة عمل إنساني نبيل.. توطد العلاقات الإنسانية وتزيد الألفة بين الشعوب وتنمي التواصل بين المجتمعات الإنسانية.. وهي الجسر الذي يربط بين الأمم ويشارك المتأثرين من الأسرة البشرية مشاعرهم ومتطلباتهم. من هذه المعاني السامية الجميلة انطلقت الإغاثة الإنسانية على مستوى العالم.. حيث تتنافس الدول بحسب إمكاناتها لتحرز السبق في العمل الإنساني من خلال تعزيز قدراتها وتوحيد جهودها وتحسين وسرعة أدائها.
إن الكوارث التي وقعت في الآونة الأخيرة في دول العالم أظهرت بطئاً في تقديم المساعدات وذلك لعدم وجود جهاز مركزي للتعامل السريع مع تلك الكوارث وللمساعدة على التصدي للاحتياجات الفورية لإدارة الكوارث عملاً بالدعوة الموجهة إليها في نتائج مؤتمر القمة العالمي بدعم جهود البلدان الرامية إلى تعزيز القدرات على التأهب والاستجابة بسرعة للكوارث الطبيعية بتوضيح وتعزيز الدور القيادي الذي تضطلع به الأمم المتحدة لتقديم العون في حالات الكوارث.. حيث تكون الدول في سباق سريع مع الزمن للوصول إلى مواقع تلك الكوارث.
فعلى سبيل المثال لدى إسرائيل طائرة إنقاذ من نوع C130 تستطيع الهبوط على الطرق الزراعية أو الصحراوية ويتكون طاقمها من طبيب طوارىء مع عشرة مسعفين وفريق تصوير وكلاب إنقاذ مع شحنة مواد طبية إسعافية وبعض المواد الغذائية المعلبة. هذه الطائرة مخصصة للطوارىء والكوارث وجاهزة للإقلاع خلال ساعة واحدة مستفيدة من القوانين الدولية التي تسمح بالمرور عبر أجواء الدول لطائرات الإسعاف والإخلاء الطبي. وعند الوصول لموقع الكارثة يبدأ فريق التصوير مباشرة بالعمل على نقل وقائع عمل المسعفين في أقرب موقع لنقل الصورة عبر الأقمار الصناعية ويتم توزيع تلك الصور على وكالات الأنباء والفضائيات لإبراز هذا السبق العالمي. وعند وصول أول طلائع الإغاثة الدولية ينسحب هذا الفريق بهدوء مبهراً العالم بسرعته وبأقل التكاليف الممكنة، ويتم استغلال ذلك السبق الإغاثي من قبلهم على أوسع نطاق.
وحيث إن الجهود والأعمال الإنسانية التي تقوم بها المملكة تحظى بتقدير دول العالم.. لكن بطء الإجراءات المالية يسبب تأخير المساعدات العاجلة أحياناً.
لذا فإن تلك الجهود يجب أن تتكامل وتتوحد في جهة رسمية واحدة من أجل تحقيق الهدف الرئيس وهو تخفيف المعاناة الإنسانية في بعض بؤر الصراع والكوارث حول العالم.. مما يتطلب التحرك السريع والإيجابي عند حدوث الكوارث والتدخل العاجل لإيصال تلك المساعدات والإشراف على توزيعها في حينه.
ولعل هيئة الهلال الأحمر السعودي هي الجهة المناسبة لذلك بحكم الاختصاص أولاً.. ولأن الهيئة تمتلك الخبرة الجيدة في هذا المجال حيث حظيت بشرف تحمل مسؤولية توصيل وتوزيع الإغاثة الإنسانية السعودية للشعوب المتضررة والمنكوبة جراء الحروب والكوارث منذ عقود طويلة.. تحقيقاً لمهامها الأساسية وانسجاماً مع الاتفاقيات الدولية في المجالات الإنسانية.. فنالت بذلك تقديراً عالمياً من قبل الهيئات والمؤسسات الإنسانية الدولية.
من هنا فإن هيئة الهلال الأحمر السعودي هي الجهة صاحبة الاختصاص في هذا العمل الإنساني النبيل.. ومن المناسب أن تكون المسؤولة عن جميع ملفات الإغاثة والمساعدات الإنسانية السعودية في الخارج.
وتهدف الهيئة إلى السعي للتخفيف من حدة المصائب والآلام البشرية دون تمييز أو تفرقة في المعاملة لأي سبب.. وتعتبر هيئة الهلال الأحمر السعودي من أنشط المنظمات الدولية الإنسانية في هذا المجال.. وهي عضو في الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر.. وتتمتع الهيئة بجميع المزايا والحصانات الدولية الواردة في اتفاقيات جنيف بالإضافة إلى كونها جهة الاختصاص في القانون الدولي الإنساني، وقد عملت الهيئة على تأسيس اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 144 وتاريخ 27-4-1428هـ والمتضمن الموافقة على إنشاء اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني والمعنية بتفعيل جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني والتي انضمت إليها المملكة ابتداء باتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولان الإضافيان مروراً بالاتفاقيات الاثنتي عشرة في المجالات الإنسانية ذات العلاقة.. وهذه اللجنة تمثل جميع الوزارات والهيئات الحكومية ذات الصلة بالعمل الإنساني.
وتحرص مملكة الإنسانية على تقديم المساعدات الإغاثية الإنسانية بواسطة هيئة الهلال الأحمر السعودي من خلال الخطط والبرامج الإغاثية وفقاً للقانون الدولي الإنساني التي تطبقه الهيئة والتي تشرف على تنفيذ هذه المساعدات الإنسانية التي تعد معلماً بارزاً في المجال الإغاثي الإنساني.. مما يجعلها تتميز في الإنجازات الإنسانية على مستوى العالم.. وذلك بجهود العاملين فيها وعلى رأسهم سمو رئيس الهيئة الأمير فيصل بن عبدالله الذي يسعى جاهداً لكي تتبوأ الهيئة المكانة الرائدة في العمل الإنساني النبيل والمشرف بين الجمعيات والمنظمات الدولية حول العالم.. والله الموفق.
(*) مستشار حقوقي وخبير في المنظمات الإنسانية