أسوأ شيء أن تكون في بلدك ولست في بلدك، كل ما حولك يشعرك بأنك في المكان الصحيح، البيت بيتك، والأم أمك، والأب أبوك، المدرسة هي ذاتها التي تعلّمت فيها الابتدائية، والحارة هي ذات الحارة التي عشت فيها، أصدقاؤك هم أنفسهم الذين درست معهم في الثانوية، ثم تفرقت بكم سبل الحياة، لكن الوجوه السرّية هي التي طرأت على المكان، هؤلاء الذين احتلوا مدينتك.
كثير من الرسائل تصلني عن العمالة الأجنبية، وتطالبني بالكتابة عنها، لكن صاحب الرسالة التالية كان مختلفاً، ثمّة مرارة وسخط وتجربة شخصية تقطع القلب، سأتجاوز سخطه عليّ وعلى غيري من الكتّاب، الذين نكتب عن قضايا غير مهمة من وجهة نظره، وسأنشر صلب قضيته بعد تحرير بعض المقاطع فيها، ليس لغرض رقابي بل للاختزال أو للتعديل الأسلوبي أحياناً:
تخرجّت من قسم الجغرافيا بجامعة الإمام بالقصيم، ولم أجد وظيفة مناسبة، لا تقول لي إنك تتشرّط، لا والله، لكن المدارس الأهلية عرضت عليها ألف وخمسمائة ريال، وهذا ما يكفي فاتورة مقاضي من الجردة، المهم أقترح خالي أن يساعدني على فتح بقالة صغيرة، وافقت وبدأت البحث عن موقع مناسب، حتى وجدت يوماً محلا بفتحتين بشارع عمر بن الخطاب، كان الموقع رهيبا والإيجار لقطة، دفعت على الفور إيجار ستة شهور، وبدأت التجهيز، صحيح كان هناك بقالة قبل محلّي وأخرى بعده، لكن كنت أقول لنفسي الرازق فوق سبحانه، بعدين دائماً تلاقي المحلات المتشابهة جنب بعض، وكلها تربح، المهم ما أطول عليك السالفة، بدأت العمل ومشت الأمور بشكل جيد في البداية، وصرت أحياناً من الحماس أدفع كاش لموزعي المواد الغذائية ما هو شراء آجل، المهم جاء يوم ما أدري إلا سيارة مشروبات عصير «....» تخطم قدّام بقالتي بدون ما توقف، قلت لنفسي يا بو فهد لا تظن الظن الشين، يمكن السوّاق نسي بحكم أني جديد، مع أنه سبق أن وقف بسيارته وسلّمني حاجاتي، بعد ثلاثة أيام صارت نفس الحركة، ثم اكتشفت أنه يقف عند البقالة اللي تسبقني، وعند البقالة اللي بعدي، طبعاً استغربت وقلت يمكن أنا ثقّلت المزح معه، يمكن غلطت عليه، مع أنه بنغالي ابتسامته واصلة لحد الدائري الشرقي، المهم بدت سيارات ثانية تطنشني، سيارات المشروبات الغازية، المياه الصحية، الألبان والحليب، حتى موزع الصحف صار يتجاهلني إلا بعدما لحقت سيارته مرة، وهددته بأن أبلّغ شركة التوزيع عنه، المهم بعد أشهر بدأت الأرفف عندي تخف وتصير فارغة، ثم خفّت الرجل عن محلي، وقرّرت أزور جاري البنغالي في المحل المجاور، وهنا عرفت أني لست في بريدة، ولا هذا شارع عمر بن الخطاب، وإنما في دكا، أو يمكن هذا شارع كيرلا اللي وسط بريدة، ما أطوّل عليك، نوّرني واحد سوداني اسمه آدم، موزع أدوات بلاستيك، أكياس وسفر وغيره، بأن هذولا مافيا تتحكم بالسوق، ومالي إلا أنفذ بجلدي، طبعاً بعت المحل على واحد منهم، وكل ما أمر الآن من جنبه، والله العظيم يا أخ يوسف، إني أفتّش محفظتي، أدوّر على إقامتي، صدق والله ما أحس إني سعودي، أقول؟ ممكن تكفلني؟.