Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/08/2010 G Issue 13841
السبت 11 رمضان 1431   العدد  13841
 
المسكوت عنه
الإصلاح الأيدلوجي واقتصاد الصين
د. حمزة بن محمد السالم

 

تناقلت وسائل الإعلام احتلال الصين لمركز ثاني أكبر اقتصاد في العالم في الربع الثاني من هذا العام. وهذه المعلومات صحيحة من حيث الأرقام المجردة، ومضللة من حيث الإنتاج الحقيقي، فالصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ بداية الألفية الثانية. وللإيضاح ففي عام 2009م مثلا، بلغ الناتج المحلي للصين بالأرقام المجردة 4.9 ترليون دولار، واليابان 5.07 ترليون دولار. ولكن لو أن ما أنتجته الصين في ذلك العام 2009م قد أُنتج في أمريكا لقاربت قيمته تسعة ترليونات دولار، ولو أن ما أنتجته اليابان في نفس العام 2009م قد أُنتج في أمريكا لبلغت قيمته 4.1 ترليون دولار. وذلك يعني أن كمية إنتاج الصين أكبر مرتين وزيادة من إنتاج اليابان، وأقل من إنتاج أمريكا بالثلث تقريبا، حيث تجاوز إنتاج أمريكا لعام 2009م الأربعة عشر ترليون دولار.

ومن المتوقع أن تصبح الصين خلال عقدين من الزمن أكبر اقتصاد في العالم، فهل ستكون الصين بذلك أعظم اقتصاد في العالم آنذاك، وأقصد بأعظم هنا هو القدرة على التحكم في اقتصاديات العالم - والتحكم غير التأثير -. والجواب لا. فبالإضافة إلى غياب الشفافية والديمقراطية، فالصين تفتقر إلى الخبرة البنكية والمهارات المالية. وافتقار الصين إلى الخبرات المهنية البنكية والمالية لم يأت من فراغ بل مرده هو أن التمويل ليس له دور مهم في الاقتصاد الاشتراكي والذي كانت الصين تتبناه سابقا، والذي يقتبس منه ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي عندنا اليوم معظم أطروحاته.

اختارت الصين الشيوعية كأيدلوجية للتحرر من الإمبراطور، فأعلن ماو عام 1948م الصين جمهورية شعبية، ، ولكنها أدركت سريعا حتمية التغيير، فقد رأى القادة الصينيون تناقضات الاقتصاد الاشتراكي ولم يخادعوا أنفسهم فما لبثوا أن بدأوا الإصلاحات على يد الماركسي دنج عام 1978م.

لم يحتاج القادة الصينيون لأكثر من ثلاثين عاما ليصححوا المسيرة وليعترفوا بالخطأ فقادوا بلادهم بهدوء إلى الاقتصاد الحر. وتبنى الروس الماركسية ليتخلصوا من القياصرة ولكنهم -على خلاف الصينيين- تأخروا في الاعتراف بحتمية التغيير واستمروا في خداع أنفسهم فكان تخليهم عن الشيوعية قهرا لا اختيارا فكان تحولهم انهيارا كام لا لجميع مؤسسات الدولة والمجتمع، وها هم يقبعون اقتصاديا وثقافيا في ذنب دول العالم.

لا يخلو التحول الأيدلوجي في الصين من المناورات الدعائية وتلطيف المسميات لإرضاء عواجيز النظام المتكلسين، كتسمية النموذج الصيني الجديد ب « اشتراكية السوق» أو « اشتراكية على الطريقة الصينية». ولم يخلُ الإصلاح من تضحيات كبيرة بالسلطة. فقد بدأ الحزب الشيوعي الحاكم بالفقدان التدريجي للسلطة، فالرئيس اليوم يمارس سلطة أقل من جيانج والذي كان أقل سلطة من دنج الذي كان أقل سلطة من ماو. ومن السهل تخيل السلطة التي كان يتمتع بها المسئولون في زمن التخطيط المركزي ودكتاتورية الحزب الواحد، فقد كانت الدولة هي من تقسم الأرزاق وتوزع المحاصيل والتي تحولت الآن إلى قوى السوق.

ضحى الحزب الشيوعي بكثير من السلطات من أجل الإصلاح فأصبح اقتصاد الصين اليوم أكبر بتسعين مرة منذ بداية عهد الإصلاح في أواخر السبعينيات، وإن مما يسكت عنه عندنا أن حجم اقتصاد بلادنا الحقيقي في نفس هذه الفترة - وباعتبار تزايد عدد السكان- إن لم ينقص فهو لم يتغير على أحسن الأحوال فهو جامد بجمود مواكبتنا لمتغيرات العصر ومقاومتنا للإصلاح والتجديد، فهلا نعين الملك الصالح على الإصلاح قبل أن نواجه انهيارا كاملا كانهيار الروس.

نحن لم نعد نتطاول إلى التطلع إلى تجارب الغرب، فهل نقف عند التطلع إلى تجارب الدول الاشتراكية الدكتاتورية المتحولة؟ أم أننا سنقاوم الإصلاح حتى نضطر إلى البحث عن تجارب الدول الهالكة.



hamzaalsalem@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد