بين عام 2003م والعام الحالي 2010 مسافة زمنية ليست بالقليلة، إلا أنها عندما تحسب فيما يحدث فيها من تحوّلات لشعب ما، وما يحصل من تغيّرات في دولة ما، فإنه تعتريك الدهشة والاستغراب مما حصل في هذه المسافة الزمنية في العراق التي تُعدُّ في حسابات الشعوب مسافة زمنية قصيرة.
سبعة أعوام وبضعة أشهر، منذ دخلت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها العراق محتلة لتغير نظام صدام حسين وفرض الديمقراطية كما ادعت دول تلك الجيوش الغازية.
الغزو حصل في الشهر الثالث من عام 2003، وفي منتصف الشهر الثامن من عام 2010 خرجت آخر كتيبة قتالية أمريكية من العراق، وهذا بالمفهوم العسكري الذي بدأنا نحن أبناء المنطقة العربية ضالعين بمصطلحاته وبمفاهيمه، إذ علمتنا ثقافة الانقلابات العسكرية التي ابتلت بها العديد من الدول العربية، والحروب التي شهدتها منطقتنا من منتصف القرن الماضي حتى يومنا هذا، بالمفهوم العسكري يعني، أن قبضة المحتل الأمريكي التي حكمت العراق، قد تراخت، أو بالأصح أنها استبدلت، فانسحاب القوات القتالية يعني أن المحتلين الأمريكيين قد استبدلوا وجودهم القتالي بوجود استشاري، وأن ما سيتبقى من قواتهم سيكون ضمن حدود قواعدهم التي أقاموها على الأرض العربية في العراق كمواقع متقدمة للقوة الأمريكية التي أصبح لها حضور وحضور قوي عند منابع البترول، وأن ضباطهم سيتحوّلون إلى مستشارين ومدربين لمساعدة العراقيين في تكوين جيش لهم، بعد أن دمّروا جيشهم وشردوا ضباطه وجنوده الذين كانوا وقود ونار ما شهده العراق من حروب بين مكوناته، فالجيش العراقي السابق الذي وصل تعداده إلى مليون مقاتل تحوّل إلى قوة معطلة عاطلة، وهذه القوة عندما وجدت من يريد الاستعانة بقدراتها لم تتردد، فمتطلبات الحياة تفرض على أفراد ذلك الجيش البحث عن عمل لإعالة أسرهم، ليتحول الجيش الذي درب لحماية الوطن إلى ميليشيات ومجاميع قتالية، وفرق إرهابية تواجه بعضها البعض، تلك واحدة من متغيرات الغزو والاحتلال. واليوم إذ ينهي الأمريكيون وجودهم القتالي في العراق بانتظار أن يكملوا انسحابهم في نهاية هذا العام، مبقين على المدربين والمستشارين ينكشف العراق تمامًا أمام من يسعون إلى تحقيق أطماعهم، وترجمة أحلامهم، إما بتقسيمه وفرض الحماية والانتماء إلى قوى إقليمية لا يخفى على أحد أطماعها، أو ضم أجزاء من العراق بعد أن مهدت الفدرالية لها والتي حضرت مع الديمقراطية إلى العراق بصحبة الجيوش الغازية. الآن القوة القتالية تخرج من العراق وفي نهاية العام تكمل الجيوش الغازية خروجها إلا أن ما فعلته تلك الجيوش لم يعدل، ولم يتم إصلاحه، فمن يملأ فراغ خروج المحتلين..!! هل تتحقق أحلام الطامعين الذين أعلنوا أكثر من مرة استعدادهم لملء الفراغ، ولذلك ظل العراق حتى الآن عاجزًا عن تشكيل حكومة وطنية..؟!!
****