علو في الحياة وفي الممات |
بحق أنت إحدى المعجزات |
في الدنيا كنت بحق في علو وترقٍّ دائم، وما جلست على كرسي إلا وأتعبت من جلس بعدك عليه، وفي الآخرة نرجو الله العظيم أن يرفعك ويغفر لك. الوطن بأكمله يبكيك ويترحم عليك لأنك خدمته وبصدق، فعندما منحت الفرصة والثقة من ولاة الأمر اضاءت الكهرباء في كل بيت يوم كنت وزيراً للكهرباء ونشرت المستشفيات في كل منطقة وحاسبت المقصر بكشف تقصيره أو بوريقه صغيرة كتبت فيها كلمات مؤثرة لذلك المهمل، إنك رائد السعودة ومحارب البطالة معروف لدى الجمعيات الخيرية والأيتام والأرامل والمعاقين، رجل خدوم فاعل خير صاحب شفاعات.
|
شاعر رومانسي مبدع ومفكر لا يشق لك غبار، صاحب كم معرفي هائل ورصيد دائم في الساحة الثقافية أكثر من خمسين مؤلفاً مطبوعا.
|
إن القصيبي صاحب طموح متوثب وثقافة غير محدودة، فدراسته في القانون والعلاقات الدولية وإبداعه وفكره ونظرياته في الإدارة وحبه وهوايته الشعر والنشر والقصة والرواية، أنشد في حب الوطن أجمل المقاطع وغنى للحياة أعذب الكلمات، إنه العطاء المتنوع والثقافة الواسعة.
|
تقلد مناصب فزادها بريقاً ولم تزده شيئاً، اختلف كثيرا حول فكره واتفقوا حول نزاهته، وجوده يرسم النجاح في المنصب الموكل إليه، إنه الإبداع بكل معانيه رجل غير عادي، وثق لكل مراحل حياته ومناصبه التي تقلدها، أبقى لنفسه عمرا ثانيا أطول من عمره الذي عاشه في الدنيا، إنه الإرث الثقافي العظيم والمفيد في فنون متعددة.
|
العجيب في هذا الرجل أنه ظاهرة فريدة في نظري، والعجب ليس في الوزارات التي أدارها ولا السفارات التي أحسنها ولا الإدارات التي أجادها ولا في شعره وروايته ومقالته ولا إبداعه وخلقه، لكن العجب في نجاحه في كل تلك المناصب والمواهب وكيف أبدع فيها؟ كم من البشر الذين جمعوا كل تلك الصفات والمناصب والنجاحات؟!
|
وما لفت نظري في حياة هذا الرجل عدة أمور:
|
- همته العالية وطموحه بلا حدود؛ فهو أستاذ جامعي وإداري محنك ووزير وسفير وأديب ورجل دولة وسياسة.
|
- احترام هذا الرجل للوقت واستثماره للزمن، ولذلك فهو فريد في هذا الجانب لقد سمعته في لقاء تلفزيوني يقول: لا أحرص كثيراً على حضور المناسبات لأنها تفني الوقت، ومع ذلك لم يفته حضور مناسبة اجتماعية للفرَّاش الذي يعمل عنده، إنه التواضع بكل معانيه!!
|
وقال في ذلك اللقاء لا بد من القراءة والكتابة يومياً، لقد أيقن غازي أنه في سباق مع الزمن، وأن الزمن هو الحياة، فأعطاه ما يستحق، فظفر غازي بإرث ضخم في المجال المعرفي هو العمر الثاني والأطول لغازي.
|
- خوف غازي من الوقت والزمن بشكل سبب له رهابا نفسيا، ولذلك تراه يحسب الزمن بدقة، وقد تجلى ذلك في قصائده وبخاصة الأربعون والستون والسبعون.
|
خمس وستون في أجفان إعصار |
أما سئمت ارتحالاً أيها الساري |
هذي حديقة عمري في الغروب كما |
رأيت مرعى خريف جائع ضاري |
لقد توقع غازي غروب عمره وفناء حياته بين الستين والسبعين، بل لقد شعر بخطورة السبعين وأيقن أن رحيله فيها عندما قال:
|
أواه سيدتي السبعون معذرة |
إذا التقينا ولم يعصف بي الجذل |
ولقد صدق تنبؤه وعصف به الجذل!! إنك يا أبا سهيل قد كنت في حيرة وقلق من تقدم العمر فرحمك الله.
|
- أبا سهيل تأثر كثيراً في العشر سنوات الأخيرة بما حصل لأقاربه من حوادث الدهر وهذا وضح كثيراً في رثائه لهم ولقد شعت تلك الرثاءات بالإيمان بالله والالتجاء إليه وعمق تسليمه بذلك وهو قد رثى نفسه قبل موته وهذا من يقينه بالفراق.
|
|
مت جسداً يا معالي الوزير ولكن جلائل ابداعك شامخة للأبد كنت نجما ساطعاً في سماء الوزارة وعلو السفارة وفن الإدارة ورومانسية الشعر والرواية والمقالة وإنسانية الابتسامة الصادقة والكلمة المضيئة.
|
وأنادي بإجراء الدراسات والبحوث الجامعية لفكر الرجل ولشعره ونثره ونظرياته في الإدارة والوزارة وعطاءاته الإبداعية.
|
رحمك الله وغفر لك، ورفعك في عليين يا رمز الوطن الخالد وصاحب الإرث الثقافي المتنوع. آمين.
|
محمد بن إبراهيم عبدالله آل لطيف - الدرعية |
|