Al Jazirah NewsPaper Wednesday  25/08/2010 G Issue 13845
الاربعاء 15 رمضان 1431   العدد  13845
 

غازي في ذمة الله
محمد إبراهيم فايع

 

قالوا: رحل الرمز، الإنسان، المسئول، الأديب، الاستثنائي، الشاعر، الروائي، الرجل، الوزير! فكيف لا أرثي كل هذه المعاني المجتمعة في معالي الدكتور

الوزير غازي بن عبدالرحمن القصيبي - رحمه الله -؟ فكم من الناس عرفنا!، ولكن كم هم الأشخاص المؤثرون في المجتمع من خلال أعمالهم ونشاطاتهم وخدماتهم المفيدة عرفنا؟ كم هم الأشخاص الذين لهم بصمات واضحة في كل ما يقدمونه من أعمال خدمة لدينهم ووطنهم عرفنا؟ سنجدهم قلة من تركوا البصمات البارزة التي تحكي جهودهم ومعالي الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - أحد هؤلاء المؤثرين في الوطن، فكان لزاماً أن ينال المكانة الكبيرة عند من عرفه ومن لم يعرفه ولكن من في الوطن من لا يعرف غازي القصيبي؟، أنا لم ألتقِ به شخصياً وإن كنت تمنيت هذا إلا أنني ممن عرفه مفكراً، أديباً، شاعراً، كاتباً، وممن عرف منجزاته مسئولا منذ كان وزيراً للصناعة والكهرباء وللصحة والمياه ليعمل بعدها سفيراً لبلادنا في البحرين ثم في لندن، ثم عاد بعدها ليحمل حقيبة وزارة العمل. وما عرفناه عنه أنه أدى في كل الأعمال التي أنيطت به أدواراً تاريخية سجّلت في صحائف تاريخه وفي سجله الوطني كأحد المسئولين الكبار المهمين في وطنه، إضافة إلى أننا عرفناه رمزاً من رموزنا الثقافية والأدبية الكبيرة سواءً في الشعر أم في كتابة المقالة أم في الرواية الذي كان بروايته (شقة الحرية) يصنع القاعدة لانطلاقات روائية سعودية مشرقة عند الشباب من كتاب الرواية.

فليرحم الله معالي الدكتور غازي فلقد كان مثيراً للإعجاب في كل شؤون حياته وكان يحظى بكاريزما معينة أكسبته القبول عند الناس والمحبة. قبل أن يرحل كان بقلب المؤمن يهيّئنا لوداعه فجاءت ما خطته يمينه من أبيات صادقة مليئة بالشجن والإيمان بقضاء الله والأمل في غدٍ مشرق وهو يقول:

أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي.. أيرتُجَى العفو إلا عند غفار؟

فكان شهر رمضان وتحديداً يوم الأحد الخامس من رمضان 1431هـ هو يوم لقاء غازي بربه ليجبرنا أبو يارا على أن نفتش في أوراقنا القديمة ما سجلناه من كتبه وأشعاره ما يجعلنا نشعُر كم هو فقد الخيرين الوطنيين أمثاله صعب على النفوس الصادقة احتمال غيابها، لكنه الموت الذي لا بد منه.

اشتكى من السبعين فقال لها متسائلا:

ماذا تريدُ من السبعينَ يا رجلُ؟!

لا أنتَ أنتَ ولا أيامك الأول

جاءتك حاسرةَ الأنيابِ كالحَةً

كأنّما هي وجهٌ سَلَّه الأجلُ

أوّاه! سيدتي السبعونَ! معذرةً

إذا التقينا ولم يعصفْ بيَ الجَذَلُ

قد كنتُ أحسبُ أنَّ الدربَ منقطعٌ

وأنَّني قبلَ لقيانا سأرتحلُ

أوّاه! سيدتي السبعونَ! معذرةً

بأيِّ شيءٍ من الأشياءِ نحتفل؟!

إلا أن السبعين كانت هي محطته الأخيرة وحينما تقابلا لم يخب ظنه بأنه يتأسف على أن الجذل لن يعصف به فعصفت به الأقدار. إلا أنه ورغم وخزات الألم عاش بالأمل الذي يريد أن يقدمه درساً لبنيه، عندما تشتد الكرب كان يقدم درساً في الإيمان وبأن الدنيا نزول وارتحال، فقال بلغة تنضح بالصدق والإيمان بخالقه وبالتسليم بالقضاء والقدر لما أصابه:

يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه.. وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري

وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به.. علي.. ما خدشته كل أوزاري

أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي.. أيُرتجَى العفو إلا عند غفَّارِ؟

رحم الله غازي فقد كان درساً من دروسنا في العطاء والصدق والعمل، عاش لوطنه لم يكن يعمل لمصالحه الشخصية بل سخر وقته وجهده وقلمه في خدمة قضايا وطنية وسيسجل التاريخ في صحائفه ما يخلد ذكراه.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد