بعد رحلة طويلة من التحصيل العلمي والإنجاز العملي في مختلف المناصب والمهام القيادية التي كلف بها بالداخل والخارج، بالإضافة
للإنتاج الفكري الضخم شعراً ونثراً ترجل الفارس عن حصانه الذي أتعبه الركض الطويل وأتعب معه فارسه. يوم الأحد الموافق: 5-9-1431هـ الموافق 15-8-2010م لم يكن يوماً عادياً وسيبقى عالقاً في ذاكرة التاريخ؛ حيث رحل في هذا اليوم علمٌ من أعلام السياسة والإدارة والأدب والشعر والعلم والثقافة على المستوى العربي، وربما العالمي، حيث انتقل للدار الآخرة معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي بعد معاناة طويلة مع المرض، لم يكن أبو سهيل مجرد وزير أو مسؤول كبير ظهر تحت الأضواء ثم اختفى كما يختفي الآخرون بعد أن يفقدوا بريق المنصب؛ لأنه تحرر من عبودية المنصب فعاش حاكماً له لا محكوماً به، بقي نجماً لامعاً في المنصب وخارجه، ولم تكن تشكل له المناصب الشيء الكثير ولا يهتم بها قدر اهتمامه بخدمة هذا الوطن ومواطنيه، رغم ما واجهه من صعوبات في مختلف مراحل حياته وفي قضايا يعرفها أغلب الناس، والجميع يتذكر الجهود الكبيرة التي قام بها عندما تولى منصب وزير الصحة في أوائل الثمانينيات الميلادية؛ حيث يعتبر أول من وجه بتحديد اتجاه القبلة وتوفير المصاحف وأماكن الصلاة داخل المستشفيات، هو من المؤسسين لجمعية الأطفال المعاقين وأول رئيس مجلس إدارة لها، كما أنه تبرع براتبه الشهري لهذه الجمعية، وكذلك مواقفه ومقالاته إبان أزمة غزو الكويت في عام 1990م.
ورغم إمكاناته السياسية والإدارية والفكرية فقد كان رجلاً متواضعاً جداً ورغم أنه حاصل على درجة الدكتوراه من أرقى الجامعات العالمية إلا أنه نادراً ما يستخدم لقب دكتور في مكاتباته الرسمية والشخصية ويوقع باسمه المجرد من أية ألقاب، مع أن هذا اللقب من الألقاب العلمية المكتسبة وهو يستحقها بجدارة ولكن هذا يدل على التواضع والبساطة، وعندما تولى آخر منصب له كوزير للعمل في عام 2004م بذل جهداً مضاعفاً من أجل معالجة البطالة وإحلال المواطن السعودي محل الأجنبي في مختلف المهن بعيداً عن بعض العادات والتقاليد البالية، ومن أجل ذلك عمل نادلاً في أحد المطاعم بجدة مرتين وقدم الوجبات للزبائن من أجل إيصال رسالة للشباب السعودي أن العمل الشريف لا عيب فيه من أجل توفير لقمة العيش بغض النظر عن بعض العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحقر من بعض المهن ومن يعملون بها.
غازي القصيبي كان مجموعة رجال في رجل واحد، وكان يحظى بمحبة واحترام الجميع حتى من اختلفوا معه أيدلوجياً في مراحل سابقة تراجعوا عن مواقفهم، وأصبحوا من أصدقاء الراحل الكبير. وما البيان الرسمي الصادر عن الديوان الملكي في نعي رحيله والجموع المحتشدة التي غص بها جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير/ سطام بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض بالنيابة، وأصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء والفضيلة العلماء وكبار المسؤولين السابقين والحاليين من مدنيين وعسكريين إلا دليل على محبة الناس لهذا الرمز الكبير، وتقديراً لما قدمه طوال حياته لهذا الوطن ومواطنيه، ولأن هذا الوطن وفيٌّ مع الأوفياء من أبنائه، وأبو سهيل يقف على رأس قائمة هؤلاء الأوفياء لهذا الوطن..
نأمل أن يتم تخليد ذكراه ليكون نبراساً للأجيال القادمة ونموذجاً للبذل والعطاء والطموح الذي لا حدود له. رحم الله الدكتور/ غازي القصيبي وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
محافظة شقراء
eng@770hotmail.com