مالك بن الريب عاش على قارعة طريق الحج البصري الممتد من مكة المكرمة إلى العراق في مساحة تمتد من غرب الرس بالقصيم وحتى مثلث الحدود بين السعودية والكويت والعراق على أطراف وادى الباطن الجزء الثالث من وادي الرمة بعد جزئه الثاني وادى الأجردي. عاش مالك تصاعدياً في الرس وعنيزة وبريدة والأسياح وقبة والطراق وحفر الباطن حتى نهايات وادى الرمة - الباطن الذي كان يصب تاريخياً في شط العرب وكانت نفوذ مالك بن الريب رمال عديدة منها: نفود العريق ونفود الشقيقة والغضى في عنزة ونفود الغميس في بريدة ونفود المظهور في الأسياح ونفود الثويرات في الزلفي ونفود السياريات في الطراق وقبة ونفود الدهناء العظيم هذا الخط الطبوغرافي هو احد الروابط مابين الخويطر أستاذ التاريخ والقصيبي الشاعر المولع بالتاريخ والأرض وبين مالك ابن الريب الذى كان يعتاش على الرمل وأهل الرمل وزوار الرمل إذ كان في البدء مناهضاً للتغيرات الجديدة وتلبس ثقافة أهل البادية المتربصين ثم أصبح ناشراً للإسلام في بلاد العجم فيقول:
|
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى |
وأصبحت في جيش ابن عفان غازياً |
لعمري لئن غالت خراسان هامتي |
لقد كنت عن بابي خراسان نائباً |
فلله دري يوم اترك طائعا |
بني بأعلى الرقمتين وماليا |
والرابط هنا بين مالك بن الريب والقصيبي والخويطر هو الحزن الذى عصف بالوزير الخويطر وهو يبكي صاحبه على فراش الموت، والقصيبي يكتب أوراقة الأخيرة واصفاً الموت والسبعين والرحيل والوادع الأخير.. فكان وداع مالك بن الريب لأهله في الرمل هي الرسائل التي أرسلها الخويطر صمتاً للقصيبي يقول مالك بن الريب:
|
فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه |
وليت الغضى ما ماشى الركب ليالياً |
لقد كان في أهل الغضى لودنا الغضى |
مزار ولكن الغضى ليس دانيا |
إذاً عصب الركبان بين عنيزة |
وبولان عاجوا المنقيات المهاريا |
وعطل قلوصي في الركاب فإنها |
ستبرد أكباداً وتبكي بواكيا |
اقلب طرفي فوق رحلي فلا أرى |
به من عيون المؤنسات مراعيا |
وبالرمل منى نسوة لو شهدنني |
بكين وفدين الطبيب المداويا |
وما كان عهد الرمل منى وأهله |
ذميماً ولا بالرمل ودعت قاليا |
أما غازي القصيبي فهو مالك بن الريب الذي وصف لحظة موته وهو على شفير القبر لأن غازي أكمل رسالته الوطنية الأدبية والإدارية مشافهة ومكتوبة ووصف ساعات رحيله في عدد من إعماله مثل ما قال مالك بن الريب عندما دنت منيته في (مرو) في بلاد خراسان قال:
|
ولما تراءت عن (مرو) منيتي |
وخل بها جسمي وحانت وفاتيا |
أقول لأصحابي ارفعوني لأنني |
يقر بعيني ان (سهيل) بدا ليا |
وقوما اذا ما استل روحي فهيئا |
لي القبر والأكفان ثم ابكيا ليا |
وخطا بأطراف الأسنة وضجعي |
وردا على عيني فضل ردائيا |
خذاني فجراني ببردي إليكما |
فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا |
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني |
وأين مكان البعد إلا مكانيا |
وبلغ أخي عمر ان بردي ومئزري |
وبلغ عجوزي اليوم ان لا تدانيا |
لم أكن ارغب في ان أحمل (المعول) واحفر في ذاكرة الزمن وطرق القوافل على طريق الحج البصري العراقي ولم أرغب بأن استدعي ذاكرة مالك بن الريب من منتصف القرن الأول من الهجرة ولا جلب ذاكرة خراسان ومرو وسجستان وبلاد فارس والقبائل العربية التي تحركت من بلاد الرمال في القصيم إلى بلاد الجبال في إيران لكن حزن الخويطر الذي أجد له سبباً خلق تلك التداعيات التي تداخل بها ماضي مالك الشاعر والغازي والقصيبي الذي كتب كل شاردة وواردة عن حياته والخويطر الشاهد الرقيب الذي يرصد الناس والزمن ويسجل الذكريات.
|
|