لأبي الطيب المتنبي قصيدة مكونة من عشرة أبيات فقط قالها وهو بمصر ولم ينشدها لأحد في حينه وهذه الأبيات العشرة تتحدث عن الزمان وعلاقة الإنسان بزمانه، والمعروف أن الزمان - وبصورة عامة - لا ماهية له، وإنما هو في حقيقة
|
الأمر وفي هذه الأبيات خاصة يشير إلى علاقة الإنسان بما يحدث له من حوادث أثناء حياته ووجوده منذ قديم الزمان.
|
لقد اخترنا لعنوان هذه المقالة جملتين قالها أبو البقاء العكبري في شرحه لبيتين من هذه الأبيات العشرة ونحن هنا سنتطرق لهذه الأبيات العشرة وعلى التسلسل قال أبو الطيب في الأبيات الأربعة الأولى:
|
صَحبَ الناسُ قبْلنا ذا الزَّمانا |
وَعناهُمْ في شأنِهِ ما عنانا |
وَتَولّوْا بِغصةٍ كلهُم مِنْ |
هُ وإن سَرَّ بَعضَهُم أحْيانا |
رُبما تَحْسِنُ الصَّنيعَ ليالي |
هِ ولكنْ تُكَدّرُ الإحسانا |
وكأنّا لمْ يرْضَ فِينا بِريْبِ ال |
دَّهْرِ حتى أعانَهُ مَنْ أعانا |
يقول أبو الطيب في أبياته الأربعة هذه: لقد عاش الناس في زمانهم قبلنا، ثم تولوا وهلكوا وهم في غصة في عدم ما كانوا يطمحون إليه في حياتهم وإن حصل لهم بعض الفرح حيناً، وهذا هو ديدن الزمان يحسن مرة ويكدر مرة أخرى، وكأنه لم يرض فينا بما يحدث لنا من محن في حياتنا ثم قال في بيتيه الخامس والسادس:
|
كَلَّما أنْبَتَ الزَّمانُ قَناةً |
رَكَّبَ المرْءُ في القناةِ سِنان |
وَمُرادُ النُّفوسِ أصْغرُ مِنْ أنْ |
تتَعادى فِيهِ وأن نَتَفانا |
يقول: الزمان إذا أنبت قناة - أي الشجر الذي تصنع منه الرماح - لم توجد فيه - في الطبيعة - كأداة للقتل لكن الإنسان هو الذي يركب السنان - مقدمة الرمح - في غصن الشجرة ليهلك به غيره، وبما أن مصير الإنسان إلى الموت فالأحرى والأجدر به أن لا يعادي أو يغني أخيه الإنسان لمراد في نفسه ولكن لهذه الحالة استثناء حيث قال في أبياته من البيت السابع وحتى البيت العاشر:
|
غَير أنَّ الفَتى يُلاقي المَنَايا |
كالحِاتٍ ولا يُلاقي الهَوانا |
وَلوْ أنّ الحياةَ تبقى لِحيّ |
لعدَدْنا أضَلّنا الشُّجْعانا |
وإذّا لم يَكُنْ مِن الموتِ بُدُّ |
فَمِن العَجْزِ أنْ تكُون جِبانا |
كُلُّ ما لم يَكُنْ مِن الصَّعْب في الأن |
فُسِ سَهْل فِيها إذا هُوَ كَانا |
يقول: قد يلاقي الإنسان منيته -هلاكه- لأنه أهون عنده من ملاقاة الهوان، لأن هذا هو طبع الحر الذي يرى موته أهون عليه من هوانه، وهنا يقول العكبري: ولله درّه - وما أحسن هذا! وما أخفه على الألسنة! فلا ترى أحداً يناله أدنى شيء إلا استشهد به، لأنه لو أن الحياة تبقى بدون موت لعد الناس أضلهم الشجاع، ولهذا ومع أن الموت والغناء لابد منه، فمن العجز أن يكون الإنسان جبانا، وهنا يقول العكبري: ولقد سعد أبو الطيب في هذه القطعة وهي الدرّة اليتيمة، وبما أن كل أمر صعب ومخيف في نفس الإنسان قبل حدوثه ووقوعه، فإذا وقع هان وسهل.
|
نستشف من أبيات شاعرنا السابقة أن ماهية الزمان هنا هي حياة الإنسان وما يصادفه فيها من أفراح وأتراح، ومشاكل وصراعات على مر العصور وكيف كان يتفاعل معها.
|
|