.. وعادت المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عودة أراد لها الرئيس الأمريكي أوباما أن تكون وسط أجواء احتفالية لاستثمارها لتحقيق مكاسب داخلية، فالرجل وحزبه الديموقراطي مقبلون على انتخابات الكونغرس وسط تخوف من فقدان أغلبية الديموقراطيين.
الرئيس حقق جزءاً كبيراً من وعوده الانتخابية، فسحب القوات الأمريكية من العراق، وأقر التأمين الطبي ونظامه بعد إصلاحه يُعدّ نصراً كبيراً يسجل للرئيس، وإجراءاته لإصلاح الوضع الاقتصادي حققت نتائج أرضت الأمريكيين. وإذا ما حقق الرئيس اختراقاً لحل قضية الصراع العربي الإسرائيلي، فإنه يكون قد حقق ما عجز عنه الآخرون.. ويكون بذلك قد سجل لنفسه نصراً تاريخياً ولحزبه تفوقاً لا يمكن أن يحصل عليه الحزب المنافس.
أوباما وكل الذين يعون تعقيدات قضية الصراع العربي الإسرائيلي، يعرفون تماماً أنه لا يمكن أن يتحقق الحل في الفسحة الزمنية التي حددها الرئيس أوباما نفسه وجعلها عاماً واحداً واعداً الفلسطينيين والإسرائيليين بتحقيق حل إقامة الدولتين.. وعد موجه للأمريكيين، فالفلسطينيون والإسرائيليون يعرفون تماماً أنهم قد عجزوا ومنذ عشرين عاماً، منذ أن بدأت المفاوضات المباشرة في مؤتمر مدريد، وحتى اليوم معالجة العديد من التراكمات والخلافات والتي أضيف لها بندان جديدان، تبنى أوباما أحدهما وغض النظر عن الثاني، فالإسرائيليون يشترطون أن يعترف الفلسطينيون والعرب والعالم أجمع بأن إسرائيل دولة يهودية، وهو ما أقرّ به أوباما في كلمة الافتتاح مقدماً أقوى دليل على دعمه لإسرائيل إضافة إلى الالتزام بدعم أمن إسرائيل، مردداً أكثر من مرة، أن على العالم أن يعرف أن أمريكا لن تضعف في دعمها لأمن إسرائيل.
يهودية دولة إسرائيل.. وتقديم الأمن والالتزام به، هو ما كان يشترطه نتنياهو لحضور احتفال أوباما الذي غفل أو تناسى عن المطلب الشرعي للفلسطينيين والعرب بوقف الاستيطان الإسرائيلي، السرطان الذي سيقضي على جهد أوباما بإقامة الدولتين ويهدد المتطرفين من كلا الجانبين بخلايا ورميّة لإجهاض وتدمير السلام في المنطقة.
نتنياهو الذي ظهر وكأنه العريس المحتفى به، قنع بما ظفر به، فهي المرة الأولى التي «يُبشر» بها من يتولى الوساطة بيهودية إسرائيل، وينسى حقوق اللاجئين وتهديد الاستيطان، وهذا ما سيرضي نتنياهو ويلجم كل معارضيه من الفاشيين في حكومته.
محمود عباس المدعم بالملك عبدالله الثاني والرئيس حسني مبارك، كانت مشاركته وحضوره أمراً لابد منه، فإن لم يشارك محمود عباس لاتّهم بإضاعته فرصة إعلان الدولة الفلسطينية، وإن لم يحضر هو والزعيمان العربيان لاتّهم العرب بأنهم يعرقلون جهود السلام.
محمود عباس وحسني مبارك والملك عبدالله الثاني حضروا المناسبة، وساعدوا أوباما على إخراج حفل يدعم صورته داخلياً، ولم يشوشوا على (وعد) أوباما بالدولة اليهودية، وإغفاله التذكير بخطورة المستوطنات، وسيشاركون بصدق وفعالية في المفاوضات المباشرة التي بدأت أمس في مبنى وزارة الخارجية الأمريكية، وهنا سيكون عليهم أن لا يستسلموا لإملاءات نتنياهو الذي وجد تراخياً من أوباما ففرض ما يريد، وتجاهل ما يراد منه. وإذا ما سارت الأمور على هذا الوضع فإن هذه المفاوضات محكوم عليها بالفشل المسبق.
***