كتب - وهيب الوهيبي
قدمت مجلة «البيان» مع عددها الجديد الصادر في شهر رمضان المبارك، ملحقا خاصا عن الشهر الكريم، حفل بالعديد من الموضوعات المهمة؛ من أبرزها «مشروعك الرمضاني» و»كيف نحيا بالقرآن»، «أكل الحلال وحلاوة المناجاة» و»منهج القرآن الكريم في بيان العقيدة الإسلامية».
ففي الملحق يقدم الباحث مشعل عبد العزيز الفلاحي «مشروعك الرمضاني» لكل مسلم ليستفيد من شهر الخيرات بالمفيد له دينيا ودنيويا، ويقول «الفلاحي»: هل فكرت في مشروعك الرمضاني؟ أم لا زلت تنتظر تباريك الشهر بعد حتى ينتهي؟ وهل عزمت النية هذا العام أن تكتب لنفسك مشروعاً يعبر عن شخصيتك ويكتب عن أثرك في الأرض، أم لا زلت تائهاً لم تحدد شيئاً بعد؟
ويضيف :إن رمضان فرصة قد لا تتكرر في تاريخ إنسان لكونه مرة واحدة في العام، وزمنه محدود، وروح الإنسان ومشاعره في أيامه قابلة للتحليق إلى أوسع طاقات الإنسان وقدراته، وهو كذلك أكبر من أن يُستهلَك في أعمال بسيطة، وجهود غير مرتَّبة، ويقول: إن تحديدك لمشروعك الرمضاني يجعلك ترتِّب أولوياتك في شهر رمضان وتستنفر كل طاقاتك لتحقيق هذا المشروع، ويجعل لك هدفاً عريضاً تسعى لتحقيقه وتشعر بعد ذلك بأهميته..فقد يكون مشروعك الرمضاني توبة خالصة لله - تعالى - تُقبِل في هذا الشهر على إعلان عزِّك بالهداية، أو (تجديد الصلة بالله، تعالى)، أو (تدبُّر كتاب الله، تعالى) و(تجديد الصلة بالكتاب)، أو يكون مشروعك الرمضاني (إغاثة الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين)، أو (تبني مشروعات دعوية وتربوية واجتماعية) أو يكون (تجديد الصلة بالله).
ويضيف قائلا: إن (مشروعك الرمضاني) هو صلتك الحقيقية بشهر رمضان ودليل قدرتك على تفجير طاقاتك، وتحريك إرادتك وهمتك، وإطلاقك لقدراتك نحو مستقبلك العريض.
ويكتب الشيخ الدكتور د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف عن «أَكْلُ الحلال.. وحلاوة المناجاة «يؤكد فيه على أكل الحلال ويقول «الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح؛ فما دام الأكل حلالاً، فالعمل صالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولاً؟».
وعلى الداعي أن يتحرى أكل الحلال، ويتورَّع في مطعمه ومشربه؛ فإن هذا من آكد آداب الدعاء، بل هو من شروط الدعاء المستجاب.
ويضيف: إن من أجلِّ آداب الدعاء: إظهارُ الافتقار إلى الله، والانطراح والانكسار بين يديه، سبحانه.، وكلما ازداد الشخص عبودية وافتقاراً إلى الله، ازداد كماله وعَلَت درجته؛ فأكرم ما يكون العبد على الربِّ - سبحانه - أحوج ما يكون إليه، وأما الخلق فأهون ما يكون عليهم الشخص أحوج ما يكون إليهم.
فمن أعرض عن الدعاء والافتقار والإلحاح على الله، فإنه يشتغل بمسألة الناس، ويُقْبِل على التذلل لهم... فيرتكب ثلاث مفاسد: مفسدة الافتقار إلى غير الله، ومفسدة إيذاء المسؤول، ومفسدة امتهانه لنفسه، وذله لغير الله.
وحال بعض شيوخ الصوفية - كما يقول ابن تيمية- الذين يتركون الدعاء استكباراً وغروراً، ويدَّعون الاستغناء عن اللجوء إلى الله - عز وجل - ثم آخر حالهم يعكفون على أبواب الظَلَمة، ويقتاتون من مكاسب خبيثة. فهؤلاء شيوخ الدعاوى والشطح، يدَّعي أحدهم الإلهية، وما هو أعظم من النبوة، ويعزل الربَّ عن ربوبيته، والنبيَّ عن رسالته، ثم آخرته شحَّاذ يطلب ما يقيته، أو خائف يستعين بظالم على دفع مظلمته.
ففي غمرة الغفلات المتتابعة، وحظوظ النفس المتشعبة، وصخب الحياة الجسدية، فإن النفس لا تنفك عن الجهل والظلم، وحينئذٍ يعتدُّ الأشخاص بقدراتهم، ومواهبهم التي امتن الله بها عليهم، ويركنون إلى حولهم وقوَّتهم، ويدَّعي أحدهم بلسان الحال أو المقال أنه (العملاق) أو (سوبر مان)، بل إن اعتداد الشخص وثقته بنفسه وطاقته بعُجَرها وبُجَرها قد استحوذ على فئام من الدعاة، فلا تكاد تخطئ عينك كثرة الدورات والندوات في هذا الشأن؛ وغرق القوم في الالتفات والاعتماد على الأسباب الظاهرة المحسوسة، بل تجاوزوه إلى تعلُّق بأسباب مثالية موهومة.
ويقول الشيخ آل عبد اللطيف: يبدو أن ثمة تلازماً بين أكل الحلال، وحلاوة المناجاة لله - تعالى - ولذَّة الأنس والافتقار إليه، عز وجل.
وتحت عنوان «كيف نحيا بالقرآن؟ «طرح د. عبد الرحمن المحمود عدة تساؤلات : كيف كان حال السلف مع القرآن؟ وكيف أصبحت حالنا معه؟ ولماذا ضعفت منزلة القرآن في نفوسنا وصارت صلتنا به أقل من صلتنا بالجرائد ووسائل الإعلام؟
ما الذي تغيَّر حتى صرنا إلى هذه الحال؟ هل تغيَّر القرآن؟ أم تغيرنا نحن في عيشنا وحياتنا مع القرآن؟ وما مقياس الأمم في رِفعَتِها وضَعَتِها وفي عزَّتها وذُلِّها؟
ويورد نص الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ الله - تعالى - يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين).
وهذا يشمل الفرد، والقوم، ويشمل أيضاً الأمة؛ فمن أقبل على القرآن من هؤلاء نال الرفعة والمكانة، ومن أعرض عنه عوقب بالذلة والمهانة.
ويقول: بهذا الميزان النبوي للقرآن عرف سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى - مكانة القرآن ومنزلته وأثره، فجعلوا القرآن عماد حياتهم، تلاوةً وتعلُّماً وتعليماً وعملاً؛ فالصغير ينشأ بتعلُّم القرآن، والأسرة تربَّى بالقرآن، والعلم يُفتَتَح بتعلُّم القرآن وحِفْظِه، ومدارس العلم كلها أساسها وعمادها القرآن، ومساجدهم معمورة بالقرآن، وعباداتهم وصلواتهم، ومجالسهم وسَمَرهم، وأسفارهم وتنقلاتهم، وجهادهم وفتوحاتهم... كل ذلك إنما عماده القرآن، أما أحكامهم وقضاياهم وعلاقاتهم، فلا تخرج عنه أبداً.
لقد كانت - حقاً - أمة تعيش وتحيا بالقرآن؛ فكان من أمرها ما كان، وصور تعامل سلفنا الكرام مع هذا الكتاب العزيز كثيرة.