تشير الإحصاءات المتاحة إلى أن معدل النمو السنوي لقطاع السياحة على مستوى العالم يبلغ نحو 7.7%، الأمر الذي يضع السياحة في مقدمة القطاعات الاقتصادية نمواً وتطوراً في العالم. وبحلول صيف كل عام، تنشط معظم الدول في تسويق إمكاناتها السياحية في محاولة لاستقطاع جزء من كعكة الإنفاق السياحي التي تميل إلى الزيادة عاماً بعد عام بحكم ما يعكسه نمو وتطور هذا النشاط الاقتصادي على حجم ونوعية الفعاليات التي تكونه وتربطه أفقياً ورأسياً بالأنشطة الاقتصادية الأخرى. وفي هذا السياق، تسعى كل دولة إلى أن تقدم إجابتها على السؤال التقليدي الذي يطرح عند حلول كل صيف.. أين تذهب هذا الصيف؟ وهو السؤال الذي كان، في تصوري، محور الإستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية، التي اعتمدتها الهيئة العامة للسياحة والآثار، في إطار تحقيق هدفها الأساسي لتنمية وتطوير قطاع السياحة الوطنية في الاقتصاد السعودي باعتباره قطاعاً اقتصادياً فاعلاً يسهم في توطين رؤوس الأموال الوطنية وإيجاد فرص عمل للشباب السعودي بتحفيز قيام منشآت صغيرة ومتوسطة وصناعات حرفية، الأمر الذي يساعد على تنويع القاعدة الإنتاجية في الاقتصاد ويعمل على توسيع دوائر الاستثمار. لقد أسهمت الهيئة العامة للسياحة والآثار، منذ تأسيسها، كهيئة عليا للسياحة، في السابع عشر من شهر أبريل من عام 2000م، في بلورة هيكل قطاع السياحة الوطنية، واستخدمت نهجاً علمياً في مراحل تنمية وتطوير هذا القطاع الحيوي بما يمكِّن من تجاوز المعوقات الاقتصادية والاجتماعية التي تحد من تنميته وتطويره وقدرته على منافسة السياحة الخارجية التي تستقطع الجزء الأكبر من الإنفاق السياحي للإنسان السعودي. ما عملته الهيئة العامة للسياحة والآثار حتى الآن جهد كبير، وستكون له نتائج مثمرة إذا تضافرت معها جهود بقية الأجهزة والجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، وأسهم المجتمع بأسره في تفعيل السياحة الوطنية بالقول والعمل. وفي المملكة مقومات لصناعة سياحية وطنية متميزة يمكن أن تولد دخلاً متنامياً، إذا تجاوز المجتمع حساسيته غير المبررة للانفتاح السياحي وتمكن من تطوير تلك المقومات لجذب السياح من الداخل والخارج على حدٍ سواء. وللحكومة دور مهم في تمكين المجتمع من هذه المهمة. هذا الدور قد يأخذ أشكالاً عديدة، منها ما يخص فئة رجال المال والأعمال المستثمرين في قطاع السياحة الوطنية، وذلك عن طريق الدعم الحكومي، الذي قد يأتي عن طريق الإسهام في تمويل المشروعات الاستثمارية في قطاع السياحة عن طريق صناديق الإقراض الحكومية، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي من الفعاليات الحكومية ذات العلاقة مثل الهيئة العامة للسياحة والآثار والهيئة العامة للاستثمار ووزارة التجارة والصناعة؛ ومنها ما يخص السياسات والإجراءات الحكومية التي تحكم أعمال قطاع السياحة، حيث يتطلب الأمر مرونة عالية بهدف تشجيع وتيسير التدفق السياحي من خارج البلاد واستغلال ما تمتلكه من مقومات سياحية خاصة قد لا تتوفر في مناطق أخرى في العالم. السياحة عموماً هي نشاط اقتصادي في المقام الأول تقوم عليه صناعة مترابطة الأطراف، تشكل في بعض الدول المكوِّن الأول للدخل القومي وجزءاً مهماً منه في دول أخرى. وهي في الوقت نفسه سلوك اجتماعي يمكن تطويعه لخدمة وتنمية الاقتصاد الوطني، كما هي في حالة السياحة الوطنية. الدعوة للاهتمام بالسياحة الوطنية وتفعيلها ليست دعوة إلى الانعزال، بل هي تأكيد على السمة الاقتصادية لهذا النشاط وما يمكن أن يمثله من روافد تنمية حيوية. ولكي تجتمع هذه الروافد وتصب في مجرى الاقتصاد الوطني، فإن تغيير السلوك الاجتماعي وأنماط السياحة يكون متطلباً رئيسياً لتفعيل هذا النشاط الاقتصادي. إنها دعوة لترشيد الإنفاق على السياحة الخارجية ومنح السياحة الوطنية جزءاً من ميزانية الإنفاق الكلي على هذا النشاط. هي دعوة لخلق نوع من التوازن بين السياحة الوطنية والسياحة الخارجية. قد لا تكون مهمة التوازن سهلة، ولكنها ليست مستحيلة. وهذه المهمة تحتاج إلى مبادرة يكون الوطن هدفها وهاجسها، لا أن يثبطها أو يحد من انطلاقها ثغرات تعيشها فعاليات السياحة الوطنية حالياً، إذ لا يمكن تجاوز هذه المعوقات بدون أن تكون هناك قناعة ذاتية في المجتمع السعودي بأن السياحة الوطنية تشكل جزءاً مهماً من النشاط السياحي الكلي. عندئذ يكون للمجتمع كلمته في تنمية الاقتصاد.
رئيس «دار الدراسات الاقتصادية» - رئيس تحرير مجلة «عالم الاقتصاد» - الرياض