يذهل الإنسان بموت الإنسان حين يكون هو من يقتل نفسه,.. وقتل النفس في شرع الله محرّم، حين يكون إنهاء لدبيب الروح في جسده...
وليس هو النهايات السعيدة تخلصاً من كرب الحياة الأولى, لأنه بوابة لكربات الحياة الآخرة...ولا يقوى على مكابدة كرب الأولى إلاّ من تيقّن في براح فسحات الرحمة لمن عمل وتوكّل، ولمن اجتهد وصبر، ولمن بذل وتيقّن من وفاء الله تعالى بوعده للصابرين، الخلَّص، الكادحين الذين يمشون في الأرض هوناً، كلّما هبّت عليهم ريح حارقة، صبّوا عليها ماء السلام والرضاء والصبر والثقة في كرم الله،, فخراج ربك أوفر وأبرد...
لكن قتل النفس وهي في الجسد أصعب،...
يبقي المرء في زنزانة آلامه، وضيقته، وخوفه وقلقه، وعدم رضاه.., قتلها بعدم النظر إليها وهي مكوّنة بقدرة الله تعالى لا يملك فيها أمراً..,
وهو حين يتفكّر في ذاته يصغر كل ماعداها من رغباتها، وشهواتها، ومتطلّباتها.., تلك التي تحرّك فيه رغبة الخروج بها إلى ساحات عراكه مع ما هو خارج عنها، ماس بها، أو بهذا الهيكل الترابي المكوّنة فيه يداه وعيناه وقدماه، وجلده وعظامه ولحمه...
يا لهذا الكائن الطيني الضعيف، لا يهوِّن عليه أمراً هو بالغه بشق الأنفس، أو يُحبِّب إليه أمراً هو مالكه بهبة الله وتسخيره، إلاّ أسند اليسير منه لنفسه، والعسير منه لغيره، فيما هما مقدران عليه، محكان له في أفعاله وأقواله.., سبيلان لمكاسبه وخساراته...
قتل النفس بالشح، والنكران، وتغافل مقدراتها، والتغاضي عن واجباتها، والجور في حقوقها، والتجاوز بها عن حقوق الآخر، والعيش بها على هامش الهامش في حياة جُعلت دار اختبار، ومعمل محكات، ومصنع تصدير...
فما البضاعة وما الصناعة.. ؟
أهامش يجتازه الإنسان بجناحين وفيرين بالنور والعطور..؟أم هو هاش يجتازه بدولابين مثلومين يجرهما على وهن..؟
ثقيلة هي الحقيقة لكنها في النهاية إمّا موت بموت أو حياة بحياة، حين يكون للموت وللحياة من الدلالات هنا, ما يختلف عن المفهوم المباشر لكليهما مما هو من شأن الخالق العظيم المتفرّد في قدراته وصفاته المنزّه عن التشبيه في أفعاله وخلقه.