Al Jazirah NewsPaper Sunday  12/09/2010 G Issue 13863
الأحد 03 شوال 1431   العدد  13863
 

دفق قلم
ثقل النصيحة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

لو كان ثقل الأشياء المعنوية في حياة الناس، مما يمكن أن يُقاس، لوجدنا النصيحة أثقلها -في نظري- وزناً، وأعظمها حِملاً، وأشدها على الإنسان وقعاً. ولكان الناصح من أشد الناس تحملاً لثقل نصيحته، والمنصوح من أشدهم استثقالاً لها، وتذمراً من شدة وطأتها على الرغم من أنها لا تجاوز -أحياناً- كلمة واحدة.

وفي حياة الناس المعاصرة من التجارب والمواقف يؤكد ذلك، ولا سيما أن الناس قد تعودوا على عادات، وأقوال، وأفعال، هي عند التحقيق مما تجب فيه النصيحة، لمخالفتها لأوامر الشرع، ودواعي العقل والعرف، وهي عندهم مما يستدعيه العصر، وتسوق إليه طبيعة عولمته، ومظاهر تحرره من الأوامر والنواهي بحجة «حرية الإنسان» ومسؤوليته المطلقة عن نفسه.

ولعل هذه الطبيعة «المتمردة» للإنسان المعاصر هي السبب في زيادة شعوره بثقل النصيحة، وهروبه منها، وممن يقدمها حتى لو كان أحب الناس إليه، وأقربهم منه.

لقد قالت العرب قديماً «قول الحق لم يدع لي صديقاً» وهو قول قائم على التجربة الصادقة في التعامل مع الناس الذين ينفرون من النصيحة والناصح، ويحققون لوسوسة الشيطان، وهوى النفس الأمَّارة بالسوء أعلى درجات النجاح في حياتهم، وهل هنالك ما هو أغلى في نفس إبليس من إصرار العاصي على معصيته، والظالم على ظلمه، والمخطئ على خطيئته؟.

والشعور بثقل النصيحة يصيب نفوس الناس على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم، لأنه خاضع لتعاظم حظ النفس من صاحبها، وتضخم قدرها عنده حتى يظن أنه لا يحتاج إلى نصيحة، ولا يفتقر إلى توجيه، وهذه الصفة «المتعصبة» للنفس من الصفات السيئة التي تقف جداراً فاصلاً بين لين الجانب وقسوته وبين التواضع والكبرياء، وهي من أحبِّ الصفات إلى الشيطان نعوذ بالله منه لأنها الصفات التي أوقفته موقف الخزي والعصيان والتمرّد، وأخرجته من صفوف الملائكة ومن الجنَّة وأوقعته في سخط الله وغضبه.

بل إنَّ من كان له نصيب من العلم والثقافة والمعرفة والمنصب والمال، والشهرة، قد يكون أشد نفوراً من النصيحة واستثقالاً لها ممن هو أقل منه نصيباً في هذه الجوانب، وذلك لأن كثيراً من الناس يُبتلى بداء التقديس للنفس والتعظيم لها، ورؤيتها في موقع تعلو فيه على من سواها، فلا يرى غيره جديراً بتقديم النصيحة إليه حتى وإن كان أعلى من مستواه أو مثله، فكيف إذا كان دونه.

النصيحة ثقيلة على الناس -غالباً- وإنما يقدّمها العقلاء الصابرون بالطرق المناسبة، ويتقبلها أصحاب النفوس الكبيرة، والهمم العالية، المعروفون بالتواضع لله إيماناً به، وخوفاً منه، الحريصون على الرقي بأنفسهم، وتصحيح أخطائهم، وتطوير ذواتهم.

وهي واجبة على كلِّ مستطيع بأسلوبها المناسب الذي يقدر لكل موقف وشخص قدره، وهي حق لكل إنسان على أخيه الإنسان، ولولاها لتمادى كثير من الناس في باطلهم، وأوغلوا في أخطائهم فأساؤوا إلى أنفسهم وإلى مجتمعاتهم.

ما أظن أن بين الناس أحداً لم يشعر بثقل النصيحة سواء أكان ناصحاً يجد صعوبة في تقديم النصيحة وثقلاً في قولها، أم كان منصوحاً يستثقلها حينما توجه إليه.

إن من حقنا على بعضنا أن نتناصح، وأن نجعل النصيحة صفة شائعة بيننا حتى نستطيع تقويم سلوكنا في هذه الحياة دون شطط وتعنت.

إشارة

بثثتك ما في القلب حباً ولوعة

وحزناً، وعهدي أنَّ مثلك يفهم

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد