يتخرّج من كليات الهندسة في مصر ما يقارب عشرة آلاف مهندس سنويًا، ويحصل المتخرّج حديثًا هناك على مرتب يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه، يتصاعد المرتب تبعًا للخبرات، بل إن الشاب الملتحق بإحدى كليات الهندسة هناك تدعوه أسرته، بل كل أفراد الحارة، ب(باش مهندس)، هكذا هو حال المهندس أو الباشا في مصر، رغم الأرقام المهولة من المهندسين، الذين يلتحقون بنقابة تخصّهم، ويحظون بأندية خاصة بالمهندسين في معظم المدن المصرية.
أما المهندسون هنا، والذين لم يصل عددهم بعد إلى ثلاثين ألف مهندس منذ الدفعات الأولى من الخريجين، والذين لا تزيد نسبتهم عن 20% من إجمالي المهندسين العاملين في البلد، والذين ينتظرون منذ أمد بعيد، ويأملون من الهيئة السعودية للمهندسين أن تقرّ كادراً وظيفياً خاصاً بهم، أسوة بالأطباء والمدرِّسين والعسكريين وغيرهم، فأعتقد أن أبلغ من يتحدث عنهم صوتهم، أو صوت أحدهم، وهو المهندس راشد السبيعي الذي أرسل لي بريدًا إليكترونيًا:
أسعد الله أوقاتك بكل خير... يعاني مهندسو المملكة الأمرّين في ما يخص توظيفهم، ففي الوقت الذي خصصت فيه وزارة الخدمة المدنية، ومن ورائها المالية سلالم وظيفية للمهن التخصصية المختلفة، يظل خريجو التخصص (الأصعب) والأكثر مشقة، وهم المهندسون، دون أدنى اهتمام، حيث يدرس الطالب خمس سنوات، لا تكفي أغلب الطلبة لإنهاء متطلبات التخرّج فيزيدون عليها السنة والسنتين، ثم يستقبلهم نظام الخدمة بوظائف مدنية عامة على المرتبة السابعة، وبراتب لا يتجاوز سبعة آلاف ريال! في حين ينهي زملاؤهم في الكلية التقنية تخصصات مشابهة في سنتين (دبلوم) ويتوظف أحدهم على المرتبة السادسة بفرق غير كبير عن خريج الهندسة، يستوفيه لاحقًا، ويزيد عليه قبل تخرّج زميله المهندس! هذا سوى الفرق في الدراسة ونوعها، فطالب التقنية متدرب، يُدرب على تطبيقات جاهزة دون الحاجة لمعرفة الأسس الرياضية والقواعد العلمية المطلوبة من المهندسين!
هل يعقل أن خريج كليات المعلمين، التي هي شبه امتداد للتعليم العام أسلوبًا ومحتوى، يتوظّف أحدهم مباشرة براتب يصل إلى تسعة آلاف ريال؟ متخطيًا في ذلك المهندس الذي واجه الأمرّين في الجامعة؟ فمعلم بتخصص تربية بدنية أو فنية ترى الدولة أنه أجدر وأكفأ من المهندس؟
أستاذنا، يبحث الصحفيون عن الإثارة، لذلك لا أحد يلتفت للمهندسين، وأنا أرسل هذه المعاناة لك، ليقيني بأنك لست من هؤلاء الباحثين عن الإثارة، وأرجو منك بقلمك الصادق، أن تبرز قضيتنا، وتوصل صوتنا، صوت المهندسين الذين تأتمنهم الدولة على مليارات الريالات، وتشح عليهم المؤسسات الحكومية وكأنها تحثهم على ما لا يحمد!!
وأنا بدوري، أخشى مما يخشى منه المهندس - من غير باش- من أن تضطره وزملاءه الأجور المتدنية، والكادر الذي لا يختلف عن كادر أي موظف من موظفي الخدمة المدنية، لأن تضعف نفوسهم، ويدخلون في دوامة الفساد والرشوة، خصوصاً أنهم يشرفون على مشروعات بملايين الريالات، فهل تتحرّك الهيئة والمالية وديوان الخدمة بإقرار الكادر الوظيفي الهندسي؟ وهل يقرّ مجلس الوزراء هذا الكادر قريبًا؟
أتمنى ذلك، ويتمنى ذلك معي آلاف المهندسين السعوديين الذين يعتبرون عصب التنمية الصناعية وشريانها في بلدهم.