الأديب عبد الله الجفري - رحمه الله - كتب في أواخر أيامه عن مشواره الصحفي الطويل، حيث عمل في عدة مطبوعات وقد أصدر الكتاب ابنه البار وجدي عبد الله الجفري..
وكتب أ. عبد المقصود خوجة مقدمة الكتاب وقال: الأستاذ عبد الله الجفري عرف بمدرسته الخاصة في الكتابة وحنجرته التي صاغها على مدى عقود ليقول كلمته وفق أسلوبه الخاص الذي يميل إلى الرومانسية حتى اصطبغ بها والتصقت به.
وجاء في السيرة الذاتية للأديب الجفري أنه من مواليد مكة المكرمة عام 1939م وتلقى تعليمه بمكة المكرمة إلى نهاية المرحلة الثانوية وعمل موظفا بإدارات الأمن العام، الجوازات والجنسية ثم وزارة الإعلام، مديرية الصحافة والنشر والمديرية العامة للمطبوعات.
اعيرت خدماته من وزارة الإعلام إلى عدة صحف في سنوات متتالية فعمل سكرتيراً لتحرير صحيفة البلاد وعكاظ والمدينة المنورة وشغل منصب نائب الناشرين بالشركة السعودية للأبحاث والتسويق التي تصدر صحيفة الشرق الأوسط اليومية، ومجلتي سيدتي والمجلة، استمر يكتب عمود (ظلال) يوميا.. وكلف بإنشاء مكتب صحيفة الحياة في المملكة مع كتابة زاوية يومية بعنوان (نقطة حوار).
وشارك بالكتابة في عدد من الصحف والمجلات العربية: الأهرام وآخر ساعة وأكتوبر وصباح الخير.. والرأي العام الكويتية، أصدر 34 كتابا تضم مجموعات قصصية وروايات وله إصدارات تحت الطبع بلغت حوالي 20 كتاباً.
وقال الأديب عبد الله الجفري عن مشواره على بلاط الصحافة: كانت (البلاد) قد احتضنتني منذ قدمت (البلاد السعودية) صفحة (دنيا الطلبة) واحتضنتها بين أضلعي وفي هاجسي منذ صرت أحد أفراد أسرتها الكبيرة وجندياً بالقلم على صفحاتها.
ثم كانت (عكاظ) التي صقلتني وصهرتني وبلورت في داخلي الكاتب الأديب القاص العاشق لفنون الإبداع وتعرض الجفري للفصل أربع مرات في مشواره الصحفي وعن ذلك يقول: الأول: يوم فصلني الأخ أحمد محمد محمود من موقع الإشراف على ملحق الأربعاء.
والثاني: فأجاني به الصديق الحبيب علي حسين شبكشي حيث فوجئت بقرار فصلي منشوراً كخبر في الصحيفة وأنا (يا غافل لك الله) وما كنت أحسب أن اختلاف وجهات النظر يفسد للود قضية.
وهكذا وجدت نفسي في الشارع، بلا عمل بلا دخل والأرزاق بيد الله يسعى إلى تحقيقها هذه المرة (الأجواد) في نجد وقد مثلهم أخي خالد المالك رئيس تحرير الجزيرة، إذ فأجاني باتصال هاتفي يطلب مني نقل عمودي اليومي إلى صحيفته ومن الغد.
وكان الفصل الثالث من الشركة السعودية للأبحاث والتسويق.. والرابع من صحيفة الحياة..
وفي مشواري على هذا البلاط الممتد.. لم أرتطم بالفشل والحمد لله ولا باليأس، فقد نجحت في إثبات موقعي واعتنزت على إرادتي وحلمي كلما راودني التعب بهاجس الراحة، لكن راحتي الحقيقية كانت في هدير المطبعة والحبر، وألوان الغلاف وكانت في كلمة اكتبها لقارئ يتعنى بحثا عن كلمتي.. كأن الكلمة بالنسبة لي هي المدينة الفاضل وهي المدينة التي تجسد أمامي من أحببت وعشقت، مستذكراً مقطعا من قصيدة (مدينة العشق) لجلال الدين الرومي قال فيه:
قال معشوق لعاشق: أيتها المليحة.. لقد رأيت في غربتي مدناً كثيرة ولكن.. تلك المدينة التي تضم من اختطف قلبي هي المكان الأطيب!!
والكلمة في مشوار حياتي: تبقى هي المدينة التي تحتضن من اختطف قلبي وهي المكان الأطيب.
وعن الحب قال الجفري رحمه الله: الحب يتغرب لأن مشاعر الناس سقطت في القلق والأنانية فصرنا نقول: سقى الله أيام زمان عندما كان آباؤنا وأجدادنا يتمتعون بلحظة تجمع يسمونها فرحاً وصداقة ولقاء.
إذا ابتلي عصر ما بكثافة الأقنعة.. صار الحب صعباً وصار الفرح أصعب!
فهل أقول عن الحزن شيئاً في ركض الناس؟ وعن الحزن قال أبو وجدي: إنه لم يعد يجرح.. البعض أحاله إلى مناسبة والبعض جعله رومانسية في المضمون الإنساني وهي رومانسية تتعرض كثيراً للسخرية والقدح ولذم مشاعر الناس.
أقول عن الحزن والفرح معاً أنني لا أسكنها وحدي من أحبهم: يدفعني الحب لأشاركهم الفرح وانسكب في لحظات طفولتهم العفوية والنقية والتحم مع أعياد أنفسهم ووجداناتهم وأصفي إلى صوت عقولهم وهمومهم ومعاناتهم.
ومن يحبني يندفع بحبه ليشاركني الحزن، ويمسح دمعتي الدافئة ويهدهد طفولة قلبي ونفسي حتى يدعها تهدأ.
وتطمئن وتستعيد عفويتها وبساطتها، ويحاول أن يبتكر من حزني ميراث التجربة الذي يعضد النفس ولا يدعها تخور، ويغسل القلب ولا يجعله مكدراً.
رحم الله الأديب عبد الله الجفري الذي رحل عنا قبل عامين وما زال وسوف يظل باقياً في قلوبنا.