عندما ينطلق كثير من الأفراد والمؤسسات لتبني قضية معينة أو نشر ثقافة مجتمعية جديدة أو العمل على رفع ظلم أو إبراز عمل معين، أو غيرها من الأعمال التي تارة يطلق عليها تطوعية وتارة تثقيفية، هي بالأساس لا تنبع إلا من فكر ناضج يعي الدور الذي يجب أن يقوم به تجاه المجتمع؛ لأنهم الأقدر والأعلم بحاجاته وهم الطاقة والثروة البشرية التي تضيء المسلك الحياتي للآخرين متى ما أحسن استغلال هذه الطاقات ووُجّهت التوجيه السليم وزُوّدت بالإمكانات.
ففي الوقت الذي انتشرت فيه الثقافة التطوعية في مجتمعنا السعودي - ولله الحمد - بدت بعض الشركات الكبيرة متقمصة دور المتفرج وغير الآبه بالقيام ولو بالدور اليسير والحقيقي تجاه إنسان وطنه والرفع من ثقافته وإثراء اهتماماته، خاصة إذا ما علمنا أن أي عمل مستقل يظل - برغم جهوده - عاجزًا عن المضي قدمًا ما لم يتكامل المشروع الثقافي الوطني من جميع جهاته.
أما على صعيد المنظومة المهنية فلا بد أن تستمر وتيرة الإعداد والبناء والتطوير لكل ما من شأنه خدمة الثقافة والفنون، وذلك دور لا أخاله يقع فقط على الجهات المعنية بقدر ما يقع على المؤسسات والشركات الكبيرة التي يجب، بحكم مسؤوليتها الاجتماعية، أن تساعد في ذلك للخروج برؤى وواقع جميل.
ومن باب الإنصاف فما قدمته أرامكو في صيفها 31 كان تحقيقًا لآمال الكثيرين من المهتمين بالثقافة والفنون، ونتمنى أن يحذو حذوها البقية ممن تقع عليهم العُتبى وشاطروا الوطن وأهله العيش والبقاء، فهذه أرامكو قدمت هذا العام أكثر من مكان بفعاليات ودورات تثقيفية وورش عمل ومحاضرات متنوعة بمهرجان أقل ما يقال عنه إنه عظيم ومهم لجميع شرائح المجتمع على اختلاف ميولهم وأذواقهم؛ لتثبت أنها تدار بعقول واعية تدرك أهمية واجبها الإنساني الذي لا يقل أهمية عن الدور الرسمي الحكومي، لتوصل بذلك رسالتها للمجتمع بأنها شريك في بناء مجتمع سعودي مثقف يؤمن بالفنون ويعطي مساحة واسعة للحوار والفكر وجمالية الالتقاء.
(*) رئيس تحرير مجلة أيادي