نواكشوط - خاص بـ «الجزيرة»
|
حيا سماحة الشيخ أحمد المرابط الشنقيطي مفتي عام موريتانيا وإمام وخطيب الجامع الكبير بنواكشوط صدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- بتنظيم الفتوى وقصرها على المؤهلين لها، مبدياً إعجابه بما اشتمل عليه الخطاب الملكي من ضبط مؤصل للمنهج الوسطي الذي يجب أن تسير عليه الفتوى سليمة من طرفي الإفراط والتفريط.
|
وقال سماحته في حديثه ل «الجزيرة»: إن هناك شروطاً مهمة لابد أن يتصف بها المفتي، وأن الأقوال الضعيفة والشاذة لا يجوز الفتوى بها، وفيما يلي نص اللقاء:
|
ما هي الفتوى؟ وماذا يشترط في المفتي؟
|
- الفتوى لغة حل المشكل، واصطلاحاً تبيين ما أشكل على الناس من الأحكام الشرعية، ويشترط في المفتى أن يكون على علم بما يفتي به، وبما أن العلم هو معرفة الشيء على ما هو به لابد أن يكون المفتي عالماً بالحكم الذي يفتي به، ولا يتم ذلك إلا لمن عرف مدارك الأحكام من الكتاب والسنة، ولا تتم معرفة مدارك الأحكام من الكتاب والسنة إلا لمن ميز محكم الكتاب من منسوخة وأمره الباقي على الوجوب من المصروف عنه، ونهيَه الباقي على التحريم من المصروف عنه وعامه الباقي على عمومه من عامه المخصوص، أو المراد به الخصوص ومطلقَه الباقي على إطلاقه من مطلق المحمول على المقيد، وظاهره الباقي على ظاهريته من ظاهره المأول، والتأويَل الصحيح من التأويل الفاسد، والمجملَ الباقي على إجماله من المجمل المبين، وميَّز كَّل ذلك في السنة أيضاً إضافةً إلى تمييزه مقبولها الصالح للاحتجاج من المردود الذي لا يحتج به، وعرف مع ذلك القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، بحيث يكون على بصيرة من مقاصد الشرع الثلاثة التي هي: 1) درء المفاسد، 2) جلب المصالح، 3) الاتصاف بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات، فيكون بتلك البصيرة متمكناً من الموازنة بين المصالح فيقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ومن الموازنة، بين المفاسد إذا لم يكن بُدّ من ارتكاب أحدها فيرتكب الأخفَّ منها تفادياً للأشد، ومن الموازنة بين المصالح والمفاسد فيقدّم درء المفسدة الراجحة أو المساوية للمصلحة على جلب المصلحة، ويقدم جلب المصلحة الراجحة على درء المفسدة المرجوحة، ولا يتم هذا إلا بمعرفته بالواقع، ولا تتم معرفته بالواقع إلا بالرجوع لذوي الاختصاص في المجالات التي يصدر فيها الفتوى.
|
ما الذي يجوز للمؤهل للفتوى أن يفتي به من أقوال أهل العلم قبله؟
|
- الذي يجوز للمفتي أن يفتي به هو القول المتفق عليه فإن لم يوجد فالقول الراجح الذي قوي دليله فإن لم يوجد الدليل المرجح فالقول المشهور الذي كثر القائلون به من أهل العلم، وأما الأقوال الضعيفة والشاذة فلا تجوز الفتوى بها، وإلى هذا الترتيب يشير أحد العلماء الشناقطة بقوله:
|
وما به الفتوى تجوز المتفق |
عليه فالراجح سوقه نفق |
وبعده المشهور فالمساوي |
إن عدم الترجيح في التساوي |
ما هو الموقف الشرعي ممن يتصدى للفتوى وهو غير مؤهل لها؟
|
- يتجلى الموقف الشرعي من المتصدي للفتوى غير مؤهل لها من خلال قوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) (116) سورة النحل، وقوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (36) سورة الإسراء، وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح المتواتر (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وفي هذا المعنى يقول بعض السلف الصالح «ناكح أمه وهادم الكعبة وقاتل النفس التي حرم الله إلا بالحق أهون عذاباً في النار ممن يتكلم في دين الله بغير علم)، ولقد أحسن أحد الحكماء إذ يقول:
|
إذا ما قتلت الشيء علماً فقل به |
ولا تقل الأمر الذي أنت جاهله |
فمن كان يهوى أن يرى متصدراً |
ويكره لا أدْري أصيبت مقاتله |
وما هو الموقف الشرعي من تطاول المتعالمين على العلماء الراسخين وافتياتهم عليهم في الفتوى ؟
|
- يتجلى الموقف الشرعي من المتطاولين على العلماء المفتاتين عليهم من خلال قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (1-2) سورة الحجرات، فالتقدم على الله ورسوله المنهيُّ عنه في الآية نْهيَ تحريم هو التقدم على أمر الله تعالى وأمر رسوله وهذا يتمثل في التطاول من المتعالمين على العلماء الراسخين في العلم وافتياتهم عليهم في الفتوى، ولقد أحسن القاضي عبدالوهاب ابن نصر البغدادي حيث يقول في تطاول المتعالمين على العلماء الراسخين:
|
متى تصل العطاش إلى ارتواء |
إذا استقت البحار من الركايا |
ومن يثني الأصاغر عن مراد |
إذا جلس الأكابر في الزوايا |
وإن ترفع الوضعاء يوماً |
على الرفعاء من إحدى البلايا |
إذا استوت الأسافل والأعالي |
فقد طابت ملاقاة المنايا |
كما أحسن أحد العلماء الشناقطة إذ يقول في هذا المعنى:
|
الاإنكار قد كان بذي العلم يخص |
إن عرف المنكر بالوجه الأخص |
واليوم صار للجميع مرعى |
«واستنت الفصلان حتى القرعى» |
كما أحسن بعضهم أيضاً إذ يقول:
|
تصدّر للتدريس كل مهوس |
بليدٍ تَسَمّى بالفقيه المدرس |
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا |
ببيتِ شهيرِ شاع في كل مجلسِ |
لقد هُزِلت حتى بدا من هُزالِها |
كُلاها وحتى سامها كل مفلس |
ما هي رؤيتكم حول الأمر الملكي الذي وجهه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية بتنظيم الفتوى وقصرها على أعضاء هيئة كبار العلماء؟
|
- لقد اطلعت على هذا الخطاب المتضمن لذلك الأمر الموفق وأعجبني ما اشتمل عليه من ضبط مؤصل للمنهج الوسطي الذي يجب أن تسير عليه الفتوى سليمة من طرفي الإفراط والتفريط، في الوقت الذي تعج فيه وسائل الإعلام من فضائيات وغيرها بفتاوى صادرة ممن لم تتوفر فيهم شروط الفتوى ولا انتفت عنهم موانعها الشرعية، تتجاوب فتاواهم مع أهوائهم دائرةً بين غلوٍ وتقصير لم يُميزوا غثاً من سمين ولا صواباً من خطأ، فصدور ذلك الأمر الموفق بتنظيم الفتوى وقصرها على المؤهلين لها في الوقت الذي تعيش فيه الفتوى تلك الحالة الفوضوية يدل على أن من صدر منه يتناوله قوله تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (181) سورة الأعراف، وقوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيح (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي وعد الله)، فمما لاشك فيه أن المملكة العربية السعودية ممثلة في ولاة أمورها وكبار علمائها بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ومؤازرة ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، والنائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود تهدي بالحق وبه تعدل، وبذلك كان أهلها من الطائفة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تزال ظاهرة على الحق، لا يضرها من خالفها حتى يأتي وعد الله.
|
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتم نعمته على المملكة العربية السعودية ويحفظها من كل سوء ومكروه ويبقيها سنداً وذخراً للإسلام والمسلمين.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
|
|