برغم أن ديننا الإسلامي يدعو إلى حُسْن الخلق والتعامل بالحسنى حتى مع المعتدين، بل إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ناله الاعتداء من جاره اليهودي وسامحه، إلا أننا ما زلنا نحن المسلمين يستفزنا سب الرسول عليه الصلاة والسلام، كما أثار ضغينتنا قرار القس الأمريكي بإحراق القرآن تزامناً مع الذكرى التاسعة لهجمات سبتمبر على الولايات المتحدة. ونحن ندرك أن نشر رسومٍ مسيئة بحقه عليه السلام أو حرق القرآن الكريم لن ينالا من عظمتهما وقدسيتهما؛ فالقرآن محفوظ في اللوح وفي الصدور، وحبه عليه السلام ينبض في أفئدتنا.
ولعلنا نسترجع التاريخ قبل الإسلام حين قرر أبرهة هدم الكعبة فأطلق عبدالمطلب جد الرسول عليه السلام عبارة تحمل الثقة واللامبالاة لهذا الفعل بقوله: (للبيت رب يحميه).
والله عز وجل يقول: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ)، وهو ما ينبغي أن نقوم بعمله مع الحالات الشاذة والأمور الاستفزازية. فقد دعوت في منشودي إبان نشر الرسوم المسيئة إلى دعوة الرسام لزيارة بلد إسلامي ورؤية المسلمين على الطبيعة، وإطلاعه على سيرة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وإهدائه نسخة مترجمة من القرآن الكريم ليرى أثره على المسلمين ودعوته إلى التسامح والخلق العظيم، بدلاً من إبداء مشاعر الاستهجان والاستنكار والسب والشتم والدعاء عليه وإهدار دمه ومحاولة قتله؛ ما يضيف فهما خاطئا ل(قوم لا يعلمون) عن ديننا العظيم.
والواقع أن قضية حرق القرآن والرسوم المسيئة ما هي إلا حركات استفزازية تمخضت عن أحداث سبتمبر، هدفها توتر العلاقات الإسلامية الأمريكية لتعود الدول الإسلامية إلى فترة ظلامية إبان عهد بوش الابن من اضطهاد واحتقار ووصم بالإرهاب.
العجيب هو مبادرة وزيرة الخارجية الأمريكية بالتصريح بأن قيام القس الأمريكي بهذا الفعل لا يمثل السياسة الأمريكية؛ وأنه فعل شخصي! ورفضت الحد من حرية التعبير للأفراد هناك لأسباب أمنية. وهنا يحق لنا أن نتساءل إذاً عن المعايير المزدوجة حين تم احتساب أحداث سبتمبر وتحميل تبعاتها على بلاد المسلمين، وغزوهم والتنكيل بهم انتقاما لضحايا تلك الأحداث، برغم أن من قاموا بالتفجيرات لا يمثلون المسلمين ولا تعاليم الإسلام الحكيمة!
ولا بد هنا من رباطة الجأش والصبر والتقوى والتعلم من التجارب السابقة التي تفرض على المسلمين الحد من التصرفات المضادة التي تزيد التفرقة والتنافر بين المجتمعات. وقد أخبرنا الله سبحانه بقوله (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا * وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور).
فالأجدر تحويل المشاعر المتأججة إلى مشاريع علمية تصب في مصلحة المسلمين وتساهم في انتشار رقعة الإسلام، بل لا بد من إدراك أن تلك الأمور الغريبة تزيد من معرفة الغرب بالإسلام حين يسمعون عن الأحداث فتدفعهم إلى البحث عن هذا الدين والقراءة والتنقيب عن مآثره.
ما أحزنني حقا هو مقتل عدد من المسلمين إثر مظاهرات في بعض الدول الإسلامية راحت ضحيتها نفوس بريئة دفعها الحماس للتعبير عن غضبها بطريقة خاطئة، بينما الرسام والقسيس يمارسان طقوسهما بهدوء وراحة.
وإن كان هناك من دعوة فهي دعوة المسلمين ألا يحرقوا القرآن بالهجر والإعراض عن قراءته، ويجدر بهم إقامة حدوده والتدبر في معانيه السامية، وليعرضوا عما سوى ذلك!
rogaia143@hotmail.Com
www.rogaia.net