بداية لابد من القول إن تنظيم سوق العمل في أي دولة، واستقدام الأيدي العاملة الأجنبية أو إيقاف استقدامها، هو حق سيادي للدولة تمليه مصالحها الوطنية. وهذا الحق يكفله القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، حتى منظمة التجارة العالمية استبعدت صراحة مسائل النفاذ لسوق العمل من اتفاقياتها، ومن أجندة مفاوضات التجارة العالمية.
وسوق العمل بالمملكة بحاجة ماسة لإعادة تنظيمه من جديد للحد من مضايقة طالبي العمل من المواطنين والمواطنات، وتفاقم البطالة بينهم بحيث أصبحت هذه المشكلة قضية وطنية لا يقل خطرها عن قضايا التطرف وترويج المخدرات، الأمر الذي يحتم على السياسيين ومتخذي القرار الإسراع لكبح جماحها، وحماية القوى العاملة الوطنية من المنافسة غير المتكافئة، والاقتصاد الوطني من الاستنزاف، وفق آليات وأفكار مبتكرة تحدد على وجه الدقة المهن المستهدفة لفرض السعودة، والجهات التي تطبق وتراقب تنفيذها.
وأعتقد أننا أمضينا وقتاً طويلاً من الجدل والمؤتمرات والدراسات والحوارات الوطنية ورسم الإستراتيجيات حول هذه القضية أصبحت معها مسألة تحديد المهن المستهدفة للسعودة من الأمور اليسيرة. إلا أن نجاح تنظيم سوق العمل مرهون بأمرين مهمين.
الأول: الحوافز المالية المقدمة للموظفين السعوديين وهذا لا يتم إلا عن طريق تحديد حد أدنى للأجور وضمان التأمينات الاجتماعية والصحية.
والثاني: فرض القانون بحزم على أطراف العمل كي لا تطغى مصالح طرف على الآخر. ويجب أن يكون لمكاتب العمل دور ملموس في هذا المجال.
ولعل من المناسب أن نضرب مثلاً هنا بقرار سعودة سيارات الأجرة. فقد أهمل القرار من المتابعة النظامية، وفرض معايير الجودة، وحماية المستفيدين منه، وكذلك المستهلكين للخدمة من مواطنين وزوار، حتى أصبحت فوضى سيارات الأجرة في المطارات السعودية من المظاهر المألوفة ومجالاً للتندر وفق العبارة الشهيرة التي يستخدمها بعض مقدمي الخدمة « سيارة يالحبيب».
يبقى القول أن تنظيم سوق العمل لا يعني الاستغناء عن العمالة الوافدة في مجالات محددة وكثيرة لا يوجد من يشغلها من المواطنين في الوقت الحاضر، كأعمال الإنشاءات، والصيانة، والنظافة، والزراعة، ومجالات أخرى يصعب حصرها.
والجميع يتطلع إلى ما يمكن أن تقدمه وزارة العمل في ظل قيادتها الجديدة من إجراءات تلبي مطالب الرأي العام، وتحقق طموح الشباب في الحصول على فرص عمل وفق ظروف مناسبة للوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمملكة.
malshmmeri@hotmail.com