قد لا يختلف اثنان أن الخطر القادم على الوطن هو البطالة التي تتضاعف كل عام في ظل انحسار فرص العمل، ومن خلال رؤية سريعة لما يدور حوالينا في المجتمع الصغير، سنكتشف من خلال دقة الملاحظة أن هول المصيبة قادم، فأعداد الشباب العاطلين عن العمل من الجنسين تزداد تدريجياً، وقد تم الكشف عن أنها تجاوزت 10.5%، وسيكون الخطر في أوجه عندما تصبح نسب البطالة تصل إلى نسب أعلى، وقد يصعب معالجتها بقرار عاجل.
العطالة عن العمل ثقافة من نوع آخر، ولها لغة ومفردات مختلفة، ولا يفهم مصطلحاتها إلا أولئك الذين يعيشون تحت تأثيراتها...، ومن إفرازاتها أن تنتشر مهن غير مقبولة سابقاً، وقد يضطر المجتمع لقبولها رغم محافظته كما حدث في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، ومنها انتشار السرقة والدعارة وظهور قنوات سرية يتداول من خلالها العاطلون منافعهم وهروبهم، وقد يضطر بعضهم للعمل في سوق المخدرات والتهريب.
ليست البطالة فكرة عابرة أو موضوع نخبوي نتناوله في القنوات الإعلامية أو الندوات الصحفية، هي حالة ثقافية تتسم بالخطورة ولا بد من مواجهتها في البدايات، وأن لا نتأخر في معالجتها، فقد تمر أجيال لا تعرف قيم العمل الحضارية وقناعة الاكتفاء المعيشي..، وقد تنقطع سبل الاتصال معها، عندها لن يجدي تنظيم طوابير المتسولين، ولن تستطيع ميزانية الضمان الاجتماعي تغطية العاطلين عن العمل في المستقبل، والسبب لأنها تتكاثر بطريقة مضاعفة..، فنسب المواليد في الأسر الفقيرة أكثر من الأسر الثرية.
في الوقت الحاضر تبدو الحلول في متناول اليد، ولن تخلو من ألم، لكنها قد تحمل الأمل في سرعة إخماد توتر الجيل الجديد وقلقه وخوفه من المستقبل، ولن نجد حلاً أسهل من تفعيل قرارات سعودة أسواق المبيعات، فالأسواق بمختلف بضائعها تجتاحها العمالة الأجنبية، ولا مفر من مواجهة مقاومة شرسة من الأقلية المستفيدة، والسبب لأنها تقدم أرباحاً خيالية لهم، لكن الوطن ومستقبله يستحق أكثر من ذلك، فالغالبية تعاني، ولا بد من قرار شجاع وجريء، فالخطر قادم، والمواجهة بين البطالة الوطنية والعمالة الوافدة قد تكون شرسة في ثنايا العقود القادمة..، لنبدأ بتطبيق مثل هذه القرارات في بعض المناطق النائية، ونرصد التجارب ونتابع النتائج، وفي حال استمرار نجاحها وازدياد القبول عليها، يتم تطبيقها في المناطق الأكبر وهكذا..، ولا أعتقد أننا أمام بديل آخر، فالجوع قادم، وربما نعاني من ذلك في المستقبل.
ما يحدث هو تآكل مضطرد للطبقة الوسطى بسبب التضخم وارتفاع التكاليف المعيشية نتيجة للبطالة وبسبب انحدار مدخولاتهم السنوية في ظل نمو غير عادي لأرصدة الأثرياء، والنتيجة ازدياد غير محدود لمستويات الفقر في المجتمع.
كذلك عندما يصبح المال أداة للتأثير في يد الطبقة الثرية تتآكل الطبقة الوسطى، فجمع الثروة قد يكون وسيلة فعّالة للتأثير على معظم طبقات المجتمع، لكن نتيجته دائماً تكون كارثية، وتصبح الصراعات هدفها دخل الوطن ومدخراته، وقد تؤدي إلى انحساره إلى المجهول في عالم الفقر والجريمة.
يسلب الفساد المالي والإداري مدخرات وثروات الطبقة الوسطى ويستبيحها، ثم يقذف بها إلى طبقة أدنى، كما حدث في كارثة سوق الأسهم، وبالتالي تتضاعف أرقام الطبقات الدنيا والفقيرة، وتضطر للعيش من خلال وسائل غير منتجة أو ضارة للمجتمع مثل التسول بمختلف أنواعه، والسرقة، والاستعداد لأخذ الرشوة مقابل خدمات في مجال عمله الرسمي، ومع ازدياد صعوبات حياته اليومية تتأثر مبادئه وإخلاصه، ثم تجعل منه مصدراً لإشاعة السلبية، وشتم الواقع.