لم تهدأ الضجة التي أثارها -القس الأمريكي- «تيري جونز»، بعزمه على إحراق نسخ من المصحف الشريف. في ظل توتر العلاقات بين بلدان الغرب والعالم الإسلامي -في السنوات الأخيرة.
وازدياد حالات التطاول على الإسلام والمسلمين. ومن ذلك: اندلاع جدالات ونقاشات واسعة، حول قضية الحجاب. وإعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية، المستهزئة بأعظم الرسل «محمد» -صلى الله عليه وسلم-. إضافة: إلى قيام مستعمرين يهود -هذه الأيام-، على تمزيق وتدنيس القرآن الكريم بشكل احتفالي في القدس الغربية.
ما سبق من مشاهد، قد يتكرر أمثاله كثيراً، ومرشحة للمزيد على مر الأيام. وهو -بلا شك- نوع من أنواع العداء للأمة الإسلامية، واستخفاف بها، وبدينها. وتبدو الحالة اليوم بالغة التعقيد، وعقولنا تختزن المواقف والصور، وتلتقط المشاهد والذكريات، بعد أن قام أحد المتطرفين -قبل أيام-، وهو يقدم احتفالاً في العاصمة البريطانية «لندن»؛ من أجل تجديد الحقد والعداء بكلمات قبيحة، ضد (أم المؤمنين) عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-، وزوج النبي -صلى الله عليه وسلم-.
رد الفعل في مثل هذه الحالة، يجب أن يكون منظماً ومدروساً. لا يقف عند ردود الفعل الآنية، وسياسة التنديد. بل إن استثمار تلك الحالة التي وقعت، تستدعي العمل؛ من أجل جمع صف المسلمين، وتوحيد مواقفهم. وأن يكون لهم مشروعهم السياسي والدعوي، المنبثق من ثوابت الإسلام، تحقيقاً لمصالح المسلمين.
-ولذا- فإن وصف علماء الشيعة لتلك الحالة، بأنها: «واحدة من فتن الإسلام والأمة الإسلامية، التي تحتم على العلماء إخماد نارها، وإظهار الحقيقة، ودحض أكاذيب المفترين من الجهلة المضلين». خطوة إيجابية، يمكن البناء عليها في المستقبل، بعيداً عن المجاملات على حساب الحق، ورد السفهاء إلى جادة الصواب. إلا أن القضية ينبغي ألا تعالج معالجة سطحية، بل لابد من الحوار حول أصول النزاع، والوصول إلى اتفاق واضح، فيما يحق الحق، ويبطل الباطل. ولابد -أيضاً- من ضرورة التقعيد الثقافي والفكري لكتب معتمدة، ومراجعتها؛ لنيلها من عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-. ومن هذه الكتب: «الكافي» للكليني، و»الأنوار النعمانية»، و»من لا يحضره الفقيه»، و»بحار الأنوار»، و»تفسير القمي»، و»مشارق أنوار اليقين»، و»البرهان في تفسير القرآن»، و»الهداية الكبرى»، وغيرها من المصادر القديمة. إضافة: إلى المراجع المعاصرة ك»مصباح الفقاهة»، و»حق اليقين في معرفة أصول الدين»، وكتاب «خيانة عائشة» للعاملي، وغيرها.
إن التأكيد على رفض قذف الصحابة -رضي الله عنهم-، مطلب مهم، إذ إن قذفهم أمر لا جدوى منه، ولا خير فيه، ومدعاة للفرقة والانشقاق. والمطالبة بتجاوز كافة عبارات الشتم والسباب واللعن الواردة ضدهم في التراث الشيعي. وذلك باعتبارهم رموزاً تاريخية محترمة عند المسلمين.
كما أن عدالة الصحابة -رضي الله عنهم- عند أهل السنة، من مسائل العقيدة القطعية، أو مما هو معلوم من الدين بالضرورة. بل إن الله زكى ظاهرهم وباطنهم، ورضي عنهم، وتاب عليهم، ووعدهم بالحسنى. وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- بإكرامهم، ومحبتهم، وحفظ حقوقهم. وأمرنا بالاستغفار لهم، ونهينا عن سبهم وبغضهم. فقرنهم خير القرون، وهم من قام الإسلام على أكتافهم، ولم يصل إلينا إلا عن طريقهم، وهم الذين مدحهم الله في القرآن، وأثنى عليهم، فقال الله -تعالى-: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وقد ذهب جمهور العلماء -رحمهم الله- إلى: أن فضيلة الصحبة، لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. أما من اتفق له الذب عنه، والسبق إليه بالهجرة، أو النصرة، أو ضبط الشرع المتلقى عنه، وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده؛ لأنه ما من خصلة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده، فظهر فضلهم.
drsasq@gmail.com