نحن خير أمة أخرجت للناس، وخيريتنا هذه لها شروط وعلينا فيها واجبات، وكلمتنا مهما كانت حقاً وتستند على أساس رباني خالد وصالح لكل زمان ومكان لا محل لها من الإعراب.. ولن تجد أذناً صاغية وقلباً واعياً غالباً إن لم نبادر نحن إلى إسماع صوتنا لبني البشرية قاطبة وباللغة التي يفهمونها وحسب قواعد التواصل ومساراته العالمية المعروفة.. وفي ظل الظروف والمساحات التي تسمح للحوار الحر والأخذ والرد والبيان والإيضاح حسب اختلاف الأفهام وتباين العقول، وكعادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يعرف العالم أجمع أنه يحمل همّ إبلاغ رسالة الإسلام ويتلمس السبل والمسارات التي يمكن سلوكها للوصول إلى بني الإنسان من أجل البلاغ، ويبادر إلى كل ما فيه خير، اختار -رعاه الله- هذه المرة العمل الخيري الإنساني مدخلاً لمشروع عالمي يُعتبر - في نظري - نقلة نوعية في الأعمال الخيرية، حيث أصدر مع نهاية شهر رمضان الكريم أمره الكريم بالإعلان عن ميلاد مؤسسة «خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية».
إن في هذا الأمر الملكي الكريم رسائل خمس:
أولاً: كثيراً ما قيل إن العمل الخيري في المملكة العربية السعودية يحتاج إلى إعادة بناء وإصلاح وتأسيس وإفصاح، وقد اختار خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله- أن يكون الإصلاح في هذا المضمار المهم والحساس من خلال القدوة فندب نفسه لإعلان ميلاد مؤسسة خيرية تشرف بحمل اسمه، متعددة المضامين متنوعة الأهداف، عالمية النظرة، إسلامية المنطق، سعودية الهوية.
ثانياً: إن الخير في الإسلام ليس خاصاً بالمسلمين بل يمتد إلى جميع بني آدم، فالمسلم يحب أن يحرص على أن يكون عنوان سلام ومفتاح خير ومحباً للغير، يسدي الخير لكل من حوله، وتتسع الدائرة عنده حتى تشمل الناس جميعاً.
ثالثاً: إن الأعمال الخيرية ذات وجه معنوي.. كما أن لها جوانب مادية مختلفة ومعروفة، فالعلم، والحوار، وتعليم الشريعة والتفقه في أحكامها، والاستزادة من ألوان المعرفة والثقافة المختلفة، والترجمة، والأعمال البحثية، والدراسات التخصصية، كلها مجالات جديدة غالباً، تؤذن بمرحلة تاريخية مفصلية في العمل الخيري المؤسس.. ليس في وطننا المعطاء المملكة العربية السعودية.. بل ولا في إطار أمتنا العربية الشماء.. وإنما للأمة الإسلامية جمعاء.
رابعاً: التسامح هدف والحوار وسيلة والعلم هو المفتاح، والرفاهية والسلام غاية مثلى لن يتحقق كل ذلك إلا بمثل هذه المؤسسات ذات البعد الإنساني الخيري الذي يستند على قاعدة أصيلة وركيزة مهمة، ولا يوجد مثل هذا الأساس إلا في هذا الدين العظيم (الإسلام).
خامساً: إن السباق العالمي اليوم يعتمد على الحركة المتوازنة والتفاعل التام بين القطاعات الثلاثة الحكومي (الرسمي)، وقطاع المال والأعمال (الخاص) ومؤسسات المجتمع المدني (القطاع الأهلي - التطوعي)، والناظر في واقع القطاع التنموي الثالث في المملكة العربية السعودية يعلم يقيناً بأنه يعاني من أزمات ويفتقد إلى التفعيل الحقيقي والكامل بصورة أو بأخرى، كان وما زال أشد ما يكون حاجة إلى مثل هذه الدفعة القوية من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين -أدامه الله-.
وهذه الالتفاتة الملكية الرائعة والراقية تبعث الهمم وتحفز النفوس وتقوي العزائم وتدفع الغير لدخول مضمار التنافس من أجل إعادة هذا القطاع الهام الذي يُراد به وجه الله أولاً وخدمة المجتمع العالمي ثانياً إلى منصة التتويج في بلاد الإسلام.
إن كل مسلم صادق مع ربه، صالح مع نفسه، منصف للحقيقة، يفتخر بهذا الملك الذي ما ترك مدخلاً للإصلاح أو طريقاً للبناء أو باباً للوفاء أو ملتقى من أجل البناء لبني الإنسان إلا وقد بذل جهده من أجل غدٍ أفضل وليكون السلام على هذه الأرض.
فلخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كل الشكر والتقدير والعرفان.. حفظ الله ولاة أمرنا وسدد على الخير خطاهم.. ودمت عزيزاً يا وطني.. وإلى لقاء والسلام..