كون القضايا في المنطقة العربية متداخلة فإن إفرازاتها السلبية، وحتى الإيجابية منها إنْ وُجِدت، لا بد أن تؤثر فيها كلها، وأن تتأثر بها أوضاع الدول، وهو ما نراه بوضوح فيما يحدث في لبنان، الذي لا يمكن فصل ما يجري على ساحته من أحداث عن المنطقة من تحولات ومتغيرات سياسية، خاصة ثلاثة متغيرات ستُحدث تفاعلات على إقليم الشرق الأوسط برمته، وليس على لبنان فقط. فالمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وما ستفرزه من استحقاقات، يتخوف الكثيرون من أن ينالهم نصيب منها، وما ستنتهي إليه جهود تشكيل الحكومة العراقية، وما سيكشف عنه القرار الفني للمحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق.
هذه هي القضايا الرئيسية التي تنشغل بها المنطقة، والتي يحركها ويلعب أدوارها الرئيسية قوى إقليمية ودولية معروفة؛ فالجميع يعرف أن النظام الإيراني والكيان الإسرائيلي، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ينشطون لفرض سياساتهم التي تعزز مصالحهم السياسية والأمنية وصولاً إلى كسب مواقع استراتيجية على حساب بعضهم البعض، وهذا ما يولّد مواجهات وصراعات تقوم بها أدوات محلية كما يُلاحظ في لبنان، الذي وجد فيه ضالته مَنْ يرغب في القيام بأدوار سياسية، سواء عن قناعة أو لتصفية حسابات بدعم من قوى إقليمية؛ لتحقيق منافع شخصية، وكل هذا نراه فيما يقوم به جميل السيد وغيره، الذي يريد أن يعوّض فقدانه «البذلة العسكرية» ب»بذلة سياسية» أسوة بما فعله غيره من العسكريين الذين وجدوا ضالتهم في امتهان العمل السياسي، حتى وإنْ كان لخدمة مصالح إقليمية لا تخدم بالضرورة المصلحة الوطنية، التي يُفترض أن تكون هدف مَنْ يعمل بالسياسة.
* * *