بعد الأحداث المؤسفة الأخيرة التي حصلت في الجارة الشقيقة البحرين أدلى عاهلها باقتراح مهم أثناء كلمته التي صرح بها، وهو (ضرورة قيام الكتّاب والأدباء والإعلاميين والفنانين بدور كبير متجدد في التقريب بين المذاهب الإسلامية).
وهو رأي بلا شك له قيمته الكبرى في لملمة شتات أمة الإسلام، وستر عورات بعض أبنائها الذين انخدعوا بآراء بعض الباحثين عن الشهرة أو المصالح المادية أو المتسلقين على أكتاف السذّج إلى حيث السُّلْطة التي قد تصل إلى التقديس.
والتقريب بين المذاهب لن يتأتّى بحوار الطرشان المقيت الذي لا يسمع فيه أحدهما الآخر، ويبحث كل طرف عن السقطات والآراء الشاذة لكل طرف، الذي نراه الآن يتصدر بعض الفضائيات ولا نسمع منه إلا ما يزيد الصدور إيغارًا والقلوب فُرْقة والعقول صدمة؛ وذلك لأن تغيير عقائد الناس أمر في غاية العسر؛ فهي قد ترسخت في القلوب والعقول منذ الصغر، يؤيد ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه) فدور التربية الدينية على جانب كبير من الأهمية.
لكن تعديل الرأي يأتي بالمنطق والإقناع والهدوء والصبر، والدعاء للمسلمين جميعًا بأن يهديهم الخالق وإيانا الصراط المستقيم الذي ندعو به في كل صلاة بل في كل ركعة، ثم استقطاب المعتدلين المتزنين من أهل العلم والحِلْم وتحمل ثقل المسؤولية كاملة. ورغم صعوبة الأمر إلا أن من استخار الله تعالى واحتسب الأجر الأخروي وتبحر في الدين، والتاريخ، ودواخل النفس البشرية ونقاط ضعفها وقوتها، وركَّز على الأساسيات، وأحسن النيات، فإنه - على أقل الأحوال - سيبرئ ذمته أمام ربه ثم أمام الصالحين، وسجلات التاريخ الإسلامي.
لأن ما يحدث في الآونة الأخيرة من بعض الجهلة أو ضعاف الدين أو ناقصي العقل هو مما يألم له أي مسلم أو مسلمة ألمًا لا يوصف؛ حيث تشويه سمعة الإسلام العظيم من قِبل بعض المنتسبين إليه، والقدح في رموزه القمم الذين آمنوا بالإسلام وناصروه منذ بزوغ فجره، وهو ما زال مجهول المستقبل، والمسلمون قلة ومستضعفون ليس لهم من هدف إلا ابتغاء رضوان الله تعالى، رغم أن بعضهم كانوا أولي قوة وجاه في مجتمعهم إبان الجاهلية وليس من مصلحتهم آنذاك تغيير دينهم لولا صدق إيمانهم وقوة معتقدهم، ومع ذلك دخلوا الإسلام طائعين مختارين، وفي مقدمتهم الشيخان العظيمان أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وكذلك بقية العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.
إن الإسلام هو دين السلام والتسامح والتآخي والمحبة، فلماذا إصرار البعض على نبش هياكل التاريخ وأكل لحوم الموتى المحرّمة؟ ولاسيما إذا كان هؤلاء الموتى هم أهم رموز الإسلام ومؤسسي دولته الكبرى وناشري دعوته السمحة، فهل يهون على هؤلاء أن يهدموا الإسلام من خلال القدح البذيء في رموزه ومؤسسيه وناشريه؟! ألا يعلمون أن أعداء الإسلام يستغلون آراءهم للطعن فيه؟!
في الواقع إن الإنسان السوي يقشعرّ بدنه إذا تخيل أنه يسب ويلعن علنًا أو سرًّا غانية فاسقة استوفاها الله وفارقت حياتنا، فكيف الأمر بأمثال هؤلاء العظماء الأفاضل الكواكب التي جاد بها الإله على البشرية، من صحابة رسول الإسلام العظيم الذي قال مثنيا عليهم ومدافعا عنهم: «لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أُحُد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم، ولا نصيفه»، وكذا زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين والمؤمنات، ولاسيما أُمَّنا العظيمة عائشة رضوان الله عليها، التي شرّفها كتاب الله الكريم (بسورة النور) التي هي دستور أخلاقي واجتماعي وإنساني لبني الإسلام قاطبة رجالاً ونساء، بل للبشرية جمعاء، إنها التي نسج رسول الله وإياها قصة حب ووفاء زوجي نادرين حتى آخر لحظة في حياته حينما طلب من زوجاته الباقيات - رضي الله عنهن جميعًا - أن يمرّض وهو على فراش الموت في بيت عائشة بنت أبي بكر، رغم انشغاله وقتها عن العواطف، ولكنه تأكيد براءتها ونزاهتها وتمسكه بها في أخريات حياته، دلالة أن الأمر مسألة تقرير مصير.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي سيستفيده المسلمون أو الإسلام الآن من الخلاف والفتنة حول من هو الأحق بالخلافة في زمن تولى وانتهى، ولله حكمته في عدم توريث النبوة، وموت جميع أبناء النبي الذكور قبله، ومع ذلك ما زال الإسلام باقيا قويا بالله لا بالأشخاص، ولقد قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}، فإذا كانت هذه الآية الكريمة نزلت في رسول الإسلام نفسه فمن باب أولى نطبقها على من سيخلفونه.
فكم نتمنى من هؤلاء المندفعين والمنتفعين بعضا من العقل والواقعية وتقديم مصلحة الإسلام والأوطان قبل المصالح الشخصية التي شتَّتت المسلمين وشمّتت الأعداء بهم، فوجدوها مطاعن ينفذون منها للقضاء عليه. فاللهم لا تجعل أمة محمد تنقلب على عقبيها فتستمر لقمة سائغة لأعدائها في كل زمان ومكان.