تعصف بعالم وعينا بَعْدَاءُ القراءة، ونقر طواعية أو مكرهين بوشائج القربى بخصلة تشي بأننا أمة لا تقرأ، فهنا من يشير بيقين تام إلى أننا أزحنا أمية الحرف ولم نزحزح بعدُ أمية المعرفة ولو قيد أنملة؛ فبتنا على هامش العالم منشغلين بأمر معرفة المتسبب في تيهنا؟ لنخمن في رصد إخفاقاتنا في مشهد المعرفة المتمثل في الوعي والقراءة.
فالقضية هنا لا نعني فيها الآخر، إنما هي شرارة نقد تنطلق من دواخلنا؛ لتكون الأسئلة الأليمة عن مآل القراءة في عالمنا رغم محاولاتنا التذرع بأننا نتصفح ونتعرف ونساهم ونشارك لكن بطرق قد لا تمت لعالم المعرفة الجادة بأي صلة، اللهم من باب العلم بالشيء دون خوض في التفاصيل أو محاولة الاستفادة من مراميه وأهدافه.
فلو عدنا إلى مثال حي وقوي أثارته «القناة الثقافية» في التلفزيون المتمثل في مدى حجم القراءة والاطلاع التي خرج بها الزائرون لأجنحة معرض الرياض الدولي للكتاب الذي عقد مطلع هذا العام؟.. حيث صاغت معدة ومقدمة البرنامج «الثقافة اليوم» الأستاذة ميسون أبو بكر هذا السؤال الكبير بحجم الوعي الذي نبحث عنه دائماً كجوهرة مفقودة.
فقد أجَبْتُ عن سؤال الزميلة ميسون بنوع من التشكيك الموارب، والظن الموائم بأن القلة القليلة من هؤلاء الرواد هم من استفادوا رغم أنه شهد إقبالاً غير مسبوق، غصت بهم جنبات وأروقة المعرض؛ لأن في ظاهر هذا الحضور الكثيف من جاؤوا للفرجة وتأمل المعرض باعتباره حدثاً يتنادى إليه الناس في كل عام.
فقد أحسنت الشاعرة والإعلامية «ميسون» صنعاً من خلال هذا السؤال الاستنطاقي المهم؛ فلا بد لنا حقيقة أن نقيّم حالة معرض الكتاب ونحن بعيدون عنها زماناً ومكاناً؛ لكي لا نكون تحت تأثير المناسبة وحمى حضورها، فمن هنا يمكن لنا أن نلتفت في كل الجهات عن أمر هذا الحضور الذي أثبت كثيره أنه لمجرد الفرجة، ومناوشة الجانب التسوقي.
فالمعارض الدولية للكتاب في الدول العربية حولنا ورغم نهوضها المبكر في أمر تقديم الكتاب لا تزال تبحث عن ذاتها، فمن يقوم بزيارتها بين الحين والآخر يتوقف عند حقيقة البحث عن إجابة مهمة لسؤال قديم: أيهما أولى، التقاط الرزق أم عدم سقوط المعرفة؟! ليقف الأمر حائراً ومشتتاً يرسم بواقعية معادلة النقيضين اللدودين (الوعي والمعيشة) على نحو تنويع مشهد الصراع الطريف بين (الكباب والكتاب) في زمن بات من المهم أن نقدر أننا لم نحسن بعد إجابة السؤال الذي يتمايل على أنغام خيبة الوعي وهزيمة النظريات وتخبط النقاد وادعاء بعض المعنيين بأمر الكتابة والنشر أنهم حققوا ما لم يحققه أحد من قبلهم في وقت يغيّبون فيه القارئ ولا يُقِرُّون حتى بحضوره.. لتنهض بعد كل مناسبة نقرؤها بوعي الأسئلة: هل نحن أمة لا تقرأ؟.. فلا نملك إلا أن نجيب بالقذيفتين الناريتين معاً: (نعم) أو (لا)؛ لأننا في الأولى لم نأكل جيداً، أو لم نجد ما نتناوله.. لا كباب أو ما سواه، وفي الثانية قد ندعي أننا شبعنا من تأمل الأشياء وقراءتها وحفظها عن ظهر قلب، ولاسيما في هروبنا نحو كل الجهات من الفضاء الذي يعج بالقنوات التلفزيونية والتقنيات الاتصالية التي يتوهم الكثير منا أنها عين القراءة وأصل المطالعة.