لا يبدو أن حلاً لأزمة الرحلات الجوية الداخلية في المملكة يلوح في الأفق. مشكلة الخطوط كما يقولون متراكمة، ومعقدة، ورثها الخلف عن السلف؛ وتوفير الطائرات، فضلاً عن خدمات المساندة لهذه الطائرات، تحتاج إلى زمن، وهذا يعني أن حل المشكلة في الأمد المنظور لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال السماح لشركات الطيران الخليجية بأن تنقل المسافرين داخل المملكة. وحسب علمي أن الخطوط الخليجية على أهبة الاستعداد لاقتناص هذه الفرصة الذهبية، وتشغيل بعض الخطوط في الداخل السعودي.
والسؤال: لماذا لا يسمح للخطوط الخليجية بالنقل الداخلي بين المدن السعودية طالما أن الخطوط السعودية عاجزة عن تلبية الطلب؛ على الأقل في الأمد القريب؟
يقول البعض إن مثل هذا القرار سيكون بمثابة رصاصة الرحمة للخطوط السعودية؛ ويقول آخرون إن العاملين في الخطوط يُضخمون المشكلة، خوفاً من أن يفقدوا احتكار سوق النقل الجوي الداخلي في المملكة إلى الأبد، لذلك فهم حريصون على تضخيم خطورة مثل هذا القرار أمام المسؤولين، وتصوير الوضع بهذه الصورة المبالغ فيها، بينما أن الحقيقة ليست كما يُصورونها.
لدينا تجربة خدمية لا تختلف عن خدمة النقل الجوي الداخلي في تقديري.. الهاتف الجوال كانت تحتكره الاتصالات السعودية، ولم يكن للاتصالات حينئذ أيَّ منافس؛ وأتذكر أن الحصول على خط هاتفي آنذاك، مثل أن يجد الغواص لؤلؤة في قاع الخليج. دخول شركة (موبايلي)، ومن ثم شركة (زين) إلى سوق الهاتف الجوال أدت إلى أن الخدمة أصبحت محل تنافس بين ثلاث شركات؛ هذا التنافس انعكس انعكاساً إيجابياً ليس على توفير الخدمات فحسب، وإنما على أسعارها أيضاً، والرابح الحقيقي من هذا التنافس كان المواطن. فما المانع من أن نستفيد من تجربتنا الناجحة في مجال الهاتف الجوال، ونعيد تطبيقها في مجال النقل الجوي الداخلي؟
لنفترض - جدلاً - أن قراراً كهذا سيضر الخطوط السعودية كما يُهولون؛ بصراحة ليكن؛ طالما أن المستفيد هو الإنسان السعودي، وتوفر خدمة النقل الجوي الداخلي في النهاية. أما أن نسكت، حتى لا تتضرر الخطوط، بينما يئن ويتضرر المواطن فهذا لا يمكن قبوله بحال من الأحوال أيها السادة.
وحسب علمي أن توقف (شركة سما) عن مزاولة الخدمة، والمصاعب الجمة التي تعاني منها (شركة ناس) والتي تكاد أن تعصف بها أيضاً، كان بالإمكان تفاديها لو أن في الهيئة العامة للطيران المدني إدارة تتلمس مشاكل مثل هذه الاستثمارات الوطنية وتسعى إلى حلها. (تطنيش) هيئة الطيران المدني لمشاكل هذين الناقلين الجويين الوطنيين، أدى إلى توقف (سما)؛ كما أن شركة (ناس) - كما يقولون - هي قاب قوسين أو أدنى من التوقف أيضاً؛ فلديها من المشاكل مع هيئة الطيران المدني ما يجعل توقفها مسألة وقت ليس إلا!
أما النتيجة فهي كما يلي: الخطوط السعودية عاجزة عن مواكبة الطلب على النقل الجوي الداخلي. شركة سما توقفت. ناس على وشك أن تتوقف؛ وكل من كان يفكر في الاستثمار في هذه الخدمة الحيوية سيُحجم حتماً بعد فشل هاتين الشركتين. فلماذا لا نجرب الحل الخليجي؟
كل ما أريد أن أقوله للمسؤولين : كيف - بالله عليكم - نتدبر أمور تنقلاتنا في بلد هو بمثابة قارة مترامية الأطراف ووضع ناقلنا (الوطني) كما ترون؟.. ولكم أن تتصوروا معاناة أصحاب الحاجة للسفر، خاصة من المسنين والمرضى، ممن يَعِجزون عن السفر البري؛ بينما أن مسؤولي الهيئة العامة للطيران المدني يكتفون بالفرجة على مآسينا وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد. مهمتهم - فقط - إعاقة أي حلول عملية من شأنها إنهاء أزمتنا مع النقل الجوي الداخلي.
إلى اللقاء.