رغم ما تحظى به بلادنا من آثار ملموسة من أمم قديمة، وآثار شعراء عاشوا وعبروا من هنا أو هناك، إلا أننا لم نهتم كثيرًا بهم، فامرؤ القيس والأعشى وعروة بن الورد وطرفة بن العبد والشنفري وغيرهم، قضوا حياتهم في أنحاء الجزيرة العربية، ولم نسمع عن مهرجان أو جائزة باسم أحدهم، إلا أن سوق عكاظ المقام في الطائف، وبعد أربع دورات أثبت أنه يسعى إلى الأفضل، يتطوّر من دورة إلى أخرى، يقوده أمير منطقة مكة الشاعر خالد الفيصل، الذي كان ينصت بحب إلى المدعوين ومقترحاتهم، مما ينبئ بأن السوق سيتقدّم إلى الأفضل، خاصة أنه يعمل منذ الآن في التجهيز للدورة الخامسة في العام القادم.
كل ما يخشاه المتابع لهذا السوق، أن يتحول مع الوقت إلى مهرجان للثقافة التقليدية على غرار مهرجان الجنادرية، فدكاكين البضائع الشعبية المنتشرة على جانبي جادة عكاظ هي تكرار لما يُقدّم في السوق الشعبي في الجنادرية، حتى وإن كان التبرير أن سوق عكاظ قديمًا كان لعرض البضائع وبيعها، فضلا عن تداول الشعر والتغني به، ولكن ما يبقى لافتًا في جادة عكاظ هو مسيرة الفرسان أو الخيالة بملابسهم القديمة، وحضورهم من خارج الجزيرة العربية، وهو ما يجب أن يتم تكريسه في الدورات القادمة، بحيث تضم الوفود بعض الفرسان من العراق وسوريا ومصر وفلسطين وغيرها.
كما أن فكرة تسمية كل دورة باسم شاعر جاهلي هو أمر جميل، فحتى وإن كانت الدورة الأخيرة ركّزت على طرفة بن العبد، إلا أنها لم تسمِ الدورة تلك باسمه، وكان من الضروري تمييز كل دورة بتسجيل اسم شاعر كأيقونة تحت مسمى «سوق عكاظ»، ولعل إطلاق جوائز سوق عكاظ المتنوعة هي أمر مميز ولافت، إلا أن عدم قصرها على الشعر يجعل المتأمل يتساءل لماذا إذن لم تشمل كل الفنون؟ فحين تمنح الجائزة للخط العربي والتصوير الضوئي إضافة إلى الشعر، يجعلنا نسأل لماذا إذن لا تمنح للفنون السردية الأخرى، من مسرح وقصة قصيرة ورواية؟ وكم تمنيت أن تكون جائزة شاعر عكاظ لا تمنح لشاعر عربي عن قصيدة واحدة، بل عن مجمل إنتاجه، لأن من الظلم أن نختزل شاعرا عربيا صاحب تجربة طويلة في قصيدة واحدة فحسب!
أما الأمر الأخير الذي أتمنى إطلاقه في الدورة القادمة، فهو أن يتم إنشاء سوق حديثة للفنون المتنوعة، سوق خاصة لعرض اللوحات التشكيلية وبيعها، وكذلك اللوحات الفوتوغرافية، على أن يتم بيعها بطريقة المزادات العالمية المعروفة، بعدما يُنشأ لكل لوحة شهادة ملكية، لكي يكون بيعها وتسجيل ملكيتها قانونيًا كما يحدث في مختلف بلدان العالم.
هذا الأمر سيجعلنا نرسم صورة جديدة ومعاصرة لسوق قديم، كان زاده الفنّي الوحيد هو الشعر، ديوان العرب آنذاك، لكنه في الألفية الثالثة ينهل من هذه الفنون المعاصرة، التي ستكون أكثر بهاءً واكتمالاً حين يُضاف إليها الفن السينمائي النخبوي، أي الأفلام المهرجانية القصيرة، التي يمكن أن تقدّم يوميًا في السوق، مع منح جوائز تشجيعية للشباب السينمائيين، الذين صارت مشاركاتهم الخارجية تلفت انتباه منظمي هذه المهرجانات، فمن الأجدى أن نهتم نحن بهم قبل غيرنا، ونمنحهم الضوء الأخضر نحو العالمية.