تولد «الشائعة» من رحم «الغياب»، أقصد غياب الحقيقة، وهذا ما لمسته شخصيا الفترة الماضية، عندما تابعت أخبار وتغطيات وتقارير عن «بركان مكة» في الصحف والمنتديات الإلكترونية ، حتى رسم البعض سيناريوهات عجيبة
لهذا الحدث الغريب، إلا أن الهدوء عاد إلى حي العوالي «جنوب شرق العاصمة المقدسة»، وعادت السكينة إلى أهل الحرم بعد أن قالت الجهات الرسمية كلمتها النهائية بعد سلسلة طويلة وبطيئة من التحقيقات، وعمليات البحث والتحليل، التي أجرتها الأجهزة الحكومية المعنية، والتي أثبتت أن مصدر النيران التي كانت تنبعث من فوهة البركان المزعوم ما هي إلا بقايا كيبل كهربائي قديم مدفون تحت الأرض.. تصوروا أن البطل في تلك القصة ومهندس الرواية هو «كيبل» منسي ومدفون تسبب في تصاعد الدخان الذي شكَّل قصصًا من الرعب والهلع للأسر التي تسكن عوالي مكة. بعد أن عاد ذاك «الكيبل» بسبب الإهمال إلى ساحة الأحداث مجددا فقد ذكر سكان الحي أن القصة قديمة بدأت في رمضان الماضي حينما سمعوا دوي صوت انفجارات في أوقات متقطعة؛ فتم إبلاغ الجهات المعنية، غير أن تلك الجهات كعادتها لم تتعامل مع الموضوع كما يجب، ولم تتحرك إلا مؤخرا عندما ترددت شائعة قوية بين الناس عن وجود حمم بركانية، أثارت الخوف والهلع في نفوس المواطنين.والآن، وبعد هدوء العاصفة، دعونا نفكر بصوت مسموع، قبل أن نطلق التهم جزافًا في حق سكان العوالي ونتهمهم بالبساطة وعدم المعرفة بأسرار الجيولوجيا لمنطقتهم الجبلية، ونقول بصوت عال: لماذا ارتكبت الشركة السعودية للكهرباء هذا الخطأ الجسيم المتمثل في نسيان هذا الكيبل المسكين منذ سنوات، الذي عاد بدون إنذار إلى السطح؛ ليسبب الخوف والذعر في نفوس الأهالي؟؟ والغريب أن الأهالي أكدوا لوسائل الإعلام أن الشركة سبق أن زارت الموقع.
والسؤال البركان هو:
لماذا تركت شركة الكهرباء كيبلاً أرضياً ممدوداً دون الاستفادة منه أو التخلص منه؟ ثم أين عصابات العمالة المتخلفة عن هذا الكيبل طيلة السنوات الماضية لِمَ لمْ تسرقه؟ وقبل ذلك كله أين الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان من هذا الخطأ الجسيم في حق المواطنين؟ هذه الأسئلة تعيدنا إلى ما كان يتردد في موقع الحدث من أن أحد المهندسين القدامى في الشركة قال: إن بعض العاملين في الشركة من الجاليات الهندية والباكستانية كانوا يقومون بتمديدات كهرباء في الحي دون علم الشركة مقابل مبلغ من المال، ولا تُسجَّل هذه التمديدات ضمن منظومة الشركة؛ وبالتالي لا يُفصل التيار عنها؛ لأنها أصلاً غير مقيدة، وهو أمر لا يوجد ما يؤكده!
أخيراً..
هذا الكيبل مجرد مؤشر خطير على إهمال شركة الكهرباء وعدم حرصها على أرواح المواطنين؛ لذا نرجو - مجرد رجاء - أن تقوم الشركة بإعداد دراسة كاملة عن مكة وغيرها من المدن؛ للتأكد كلياً من عدم تكرار مثل هذه المشكلة، ولتجفيف منابع «الكيابل» «الخطرة»؛ حتى ينعم المواطن بأبسط حقوقه: «السلامة» و»الأمن».