«الرسم» عادة كما يعرفه الجميع بأنه استخدام القلم أو الفرشاة لإحداث خط أو شكل إضافة إلى بعض درجات الظلال على مساحة ذات بعدين، ولذلك كنت على استعداد بأدواتي الخاصة لحضور محاضرة وورشة للرسم المعاصر في إحدى الدورات التي حضرتها بجامعة كوفنتري، إلا أنني ما لبثت أن تخليت عنها كلها بمجرد بدء العرض؛ الذي استهل بصورة فوتوغرافية لأحد الحقول الزراعية يمر به خطان متوازيان من أثر عجلات السيارة ليخبرنا المحاضر بأن ما ترونه أمامكم هو نوع من الرسم فالعنصر التشكيلي «الخط» هو ماتم إحداثه على هذه «المساحة» من الأرض؛ أما الشريحة الثانية فتظهر مبنى يمر بأحد جدرانه شرخ عريض هو الأخر بمثابة «خط» يرسم به، ثم عَرَضَ بعدها لقطة لمجموعة من الطوابق في مبنى آخر وقد أحدِثَ في كل طابق ثقب دائري يتناقص قطره كلما نظرنا نحو الأسفل؛ أيضا هذه الثقوب تقابل «المساحة» في الرسم، ثم تلت تلك المحاضرة ورشة عمل جماعية استخدمنا فيها كل ما يمكن أن يقع تحت أيادينا من خامات وأدوات ماعدا القلم والفرشاة كالخيوط، الحبال، الأوراق و اللواصق وحتى جدران الغرفة وأرضيتها وسقفها تناولناها جميعاً في معالجة عناصر الرسم التشكيلية؛ فكانت بمثابة ممارسة تمرين ذهني ابتكاري لا ينسى.
هذا التعريف الجديد لأبجديات الرسم قد لا يتوافق مع ما ألفناه في واقعنا التشكيلي خصوصا المحلي، إلا أنه طريقة فعالة للانعتاق من قيود التقليدي، و تنمية التفكير الإبداعي الذي هو أهم مقومات الفنون المعاصرة، وأرجو أن لا يظن البعض أنه تم إلغاء المفهوم الأكاديمي المعروف للرسم في هذه الجامعة، حيث إنه يتم تلقيه في مرحلة سابقة للتعليم الجامعي المتخصص في مجالات التشكيل ليكون هو التأسيس للمعاصرة فيما بعد.
Hanan.hazza@yahoo.com