في الطائرة وغيرها من وسائل التّرحال والسفر لابد من مواقف طريفة ومضحكة وأحيانا محرجة، وعلى مقاعد الطائرة أنقل موقفاً رواه أحد الزملاء إذ قال: إنه كان قد جلس لتوه على مقعده على رحلة قادمة من الخارج إلى المملكة وإذا برجل يقود كفيفاً وهمس في أذنه وأجلسه بجانبي، وبعد أن استقر جالساً التفت نحوي وسأل وهو يتحسس بيده الكرسي الذي بجانبه هل بجانبي أحد؟ فسلمت عليه ورحبت به وسألته إن كان يريد خدمة معينة؟ فابتسم وشكر، وطلب مني ربط حزامه، فنفذت بلطف، ويبدو أنه كان يختبر مبادرتي لخدمته ومدى أريحيتي في تعاوني معه، فطلب تعديل الكرسي ففعلت فزادت ابتسامته انفراجاً، وكان من الممكن أن يطلب من مضيفي الطائرة هذه الخدمات وغيرها، لكنه وجد البديل ذي القلب الطيب، وتوالت طلباته وأخذ راحته تماماً لدرجة أنه طلب مني تلقيمه الوجبة خشية أن تقع المأكولات على أرضية الطائرة، سألته: وهل فعلت؟! قال:لم أكن أعلم أنه على هذه الدرجة من الخبث والانتهازية، وأضاف: ليس هذا فقط بل إنني توليت خدمته طيلة الرحلة حتى أنني أوصلته للمرحاض مرتين ومسحت عن شاربه بقايا طعام بالمناديل المعطرة، وأنا أنوي في داخلي فعل الخير بمساعدة هذا الضرير، وعند توقف الطائرة واستعداد الركاب للنزول استيقظ الرجل الذي كان يقوده عند الصعود من نومه في المقعد الذي خلفي وأمسك بيده ومضيا خارجين وأنا أنظر مندهشاً مرتين الأولى من قوة أعصابه وشدة خبثه، والثانية من بلاهتي وشدة سذاجتي!! ومن المواقف ولكن على طائرة أخرى في عز المراهقة وشطحاتها، وكانت الرحلة داخلية بين مدينتين في إحدى الدول الغربية وقد أخذت مقعدي بالوسط حسب رقم البطاقة فأقبلت عجوز مسنة وبصحبتها شابة غيداء تقصر الريم والغزلان عن بعض صفاتها سبحان من صورها، فأبدت المسنة رغبتها أن تجلس على الممر نظراً لأنها ربما تحتاج للقيام والحركة لأنها تعاني من بعض الأعراض كالسكر، وأشارت للمملوحة أن تبادلها المقاعد وتجلس بجانب النافذة، فعرضت عليهما أن يجلسا بجانب بعضهما وأكون أنا على النافذة فأصرت الحسناء الصغيرة على النافذة مع الشكر على مبادرتي، وأنا في داخلي مطمئن إنها ستكون بجانبي على أي الحالين لكن إن كانت بالوسط بجانب جدتها فهذا مما يزيدني سروراً، بالفعل كانت هذه خواطر شاب لم يتجاوز عهد المراهقة والطيش -اسأل الله العفو والعافية-، وياليتني من رحلتي قد سلمت فقد انشغلت عني الناعمة الرقيقة بكراسة الرسم وأطلعتني على عدد من رسومها التي لم تكتسب من جمالها شيئاً فقد غطى وفاق جمالها كل لوحات الدنيا في عيني على الأقل مدة تلك الرحلة، أما السيدة المسنة فقد تناولت مع العصير مجموعة أدوية ودخنت سيجاراً ازكم أنفي ثم راحت في نوم عميق لدرجة أن رأسها لامس كتفي، فحاولت بلطف لفت الصغيرة إلى وضع جدتها وكأني أشعرها بلطفي وعدم ضيقي، ولعل هذا يكون عربوناً ومقدمة للدخول في حديث لا يقل جمالا عن ذاك الوجه الصبوح، لكنها نضرت لجدتها وضحكت وعادت للرسم والتلوين، وأنا في هم وغم، فلا أنا كسبت وداد (الشمحوطة) ولا سلمت من شخير (جدتها) وعند هبوط الطائرة (قنعت من الغنيمة بالإياب).