تستغرب يا شيخ عبدالله المطلق كيف تسرّبت فتوى تحريم «الكاشيرة» إلى مواقع الإنترنت وإلى وسائل الإعلام، ولك كل الحق في أن تدهش وتستغرب، لكنني شخصيًا لا أدهش ولا أستغرب، فمن سرّب الفتوى قبل نزولها في الموقع الرسمي للجنة الدائمة للإفتاء هو من لغّم السؤال وأرسله مفخّخا لكم، وهو من أوحى لكم في حيثيات سؤاله بأن تحرمونه، هو من ألهب إيميلاتنا جميعاً تحت مسمى الهدى والفضيلة والاحتساب قبل أن توقّعون فضيلتكم على الفتوى، حيث امتلأت إيميلات الدنيا بهم، وهو يصيحون لماذا لم ينقل الإعلام هذه الفتوى بعد، ولماذا لم يضجّ حولها ويحتفل كما فعل مع إباحة الأغاني ورضاعة الكبير!
هؤلاء، فضيلة الشيخ، الذين يملكون الأيدي السرّية الطويلة، ويسحبون نسخًا من إضبارات لجنتكم الموقّرة، وينثرونها في شبكة الإنترنت حتى تنتشر كالنار في الهشيم، هؤلاء هم الذين يدّعون بأنهم ينافحون عن الدين ويحمون الأخلاق، وهم الذين يقدمون أنفسهم بأنهم أوصياء على العباد والبلاد، فلا تستغرب، فضيلة الشيخ، ، ولا تستغرب، فضيلة الشيخ، وهم يمسكون بيدي كي أوقف هذا المقال!
لك كل الحق، فضيلة الشيخ، بأن تستغرب، ولي كل الحق بأن أهمس لك بأنهم هم الذين يملكون سطوة جعلت من السهل تعطيل قرار حكومي رسمي يجيز عمل البائعات في محلات الملابس النسائية الداخلية، وهم الذين يصنعون الأسئلة التي تحرمون بعدها كاميرات الجوالات وقنوات الفضاء منذ سنوات قريبة، هؤلاء هم الذين يتسلّلون خلسة في أروقة الجهات الحكومية، يقرأون ما لا يقرأه أحد، ويحضّرون لهجمتهم القادمة، متى وأين ستكون؟!
هؤلاء، لن يعنيهم أن تتشرّد تسعون امرأة تقتات الحاجة والعوز من جباههن، ويشقين بأولادهن اليتامى، بل إنهم يسعدون لهن وهن يتجولن بين السيارات بأيدٍ ممدودة، هؤلاء حتى وإن كانوا قلّة فهم منظمون في مخططاتهم وأهدافهم، ولا يكفّون عن استخدام وسائلهم المعروفة، بدءاً بالإنترنت، وحتى إرسال البرقيات إلى ولاة الأمر، كي يوقفوا كل ما من شأنه التسهيل على الناس، وتيسير أمورهم!
فلا تستغرب يا فضيلة الشيخ، ولكن كان من الجدير أن يعمل بعض منكم في دراسة أي موضوع، فكما تدرسون أمراً اقتصادياً أو بنكياً قبل الإفتاء حوله، كان مجرّد إطلاعكم المباشر على حالات العاملات في تلك المهن الشريفة، تؤكد لكم أن الأمر أبسط بمراحل مما قاد إليه السؤال المدبّر، هؤلاء النسوة المحتشمات يقمن بعمل شريف أمام الناس جميعًا، فبدلاً من أن يكن أمام سير البضائع المتحرّك كمشتريات، أجبرتهن ظروفهن ولقمة العيش أن يقفن خلف هذا السير كبائعات، ويحسبن مشتريات الزبائن ويقبضن الثمن منهم بدلاً من أن يدفعن النقود! هل هناك فرق بين هذه وتلك؟!
لا أظن أن الفتوى التي تصدر هي قرار أو قانون، بل هي إجابة على سؤال بذاته قد يحمل هذا السؤال من الخطأ ومن النوايا غير النبيلة الكثير، فلا بأس أن نقرأ الحالة تلك بشكل مباشر، نقف على أوضاعهن في مواقع العمل، ونرى كيف أن الأمور تسير باحترام وحشمة، ولا بأس أن يمر بعضكم ببعض إشارات المرور في صباح الرياض، كي ترصدوا مأساة النساء الفقيرات يتجولن مكرهات ومكسورات بين سائقي السيارات المزدحمة، غير النساء الكثيرات اللاتي يتعففن عن السؤال أصلاً!