الإعلام - في كل بلد - يمثل الصوت الناطق باسم الشعوب، ولسان حالها المعبر عن تطلعاتها وآمالها وآلامها، أو هكذا ينبغي أن يكون، ورسالته يفترض أن تخاطب وجدان المجتمع، وتمثل صورة عميقة تعكس دواخله، ولكن في كثير من الأحيان نجد الإعلام يغرد خارج السرب، نجده يسبح في وادٍ، بينما المجتمع وهمومه وثقافته وحضارته وواقعه في وادٍ آخر، وفي كثير من الأحيان تحرك الإعلام بعض الأهواء، وتملأ أشرعته رياح التوجهات الشخصية، أو الرؤى الخاصة، التي تفترض أن كل الناس ينظرون بذات المنظار، حتى يصبح ذلك توجهاً عاماً، لذا تأتي الصورة مقلوبة أحياناً كثيرة، ولا تعبر عن الواقع، ولا تمثل الدواخل، ولكن قد يفهم من هم بعيدون عن الواقع أنها تحاكيه وتحاول أن تعكسه للمتلقي أينما كان.
أسوق هذه الملاحظة المهمة والخطيرة في ذات الوقت، وأمامنا تجربة الإعلام السعودي الذي يتسم بالانضباط أكثر من غيره، وذلك لاعتبارات كثيرة، ففي مجال التغطيات الخبرية أفلح إعلامنا في إبراز حقيقة الشعب السعودي ونجح في نقل وجدانه للآخرين، واستطاع أن يعكس قيمه وأخلاقه وعاداته وخصاله الجميلة المستمدة من روح الإسلام، وخير شاهد على ذلك ما قامت به وسائل الإعلام من تغطيات جيدة حول نشاطات الجمعيات الخيرية في شهر رمضان المبارك، بما يعكس روح التكافل والتعاضد بين أعضاء المجتمع، خصوصاً موائد إفطار الصائمين، التي انتظمت البلاد خلال الشهر الفضيل ابتداء من الحرمين وعموم مناطق ومدن المملكة، وغير ذلك من صور التكافل وأعمال البر والإحسان، وما رأيناه عبر الإعلام السعودي لا يكاد يراه المرء في أي إعلام آخر، بحيث أصبح يشكل وجدان المجتمع بصورة واقعية، لذا وجد ذلك الجهد تفاعلاً كبيراً من قبل رجال الأعمال والمحسنين، خصوصاً الإعلانات التي كانت تدعو إلى دعم تلك الجمعيات سواء كانت عبر الصحف أو من خلال شاشات التلفزيون، وكان ذلك صوتاً معبراً وصادقاً ينطلق من الدواخل ويعبر عنها في ذات الوقت.
يضاف إلى ذلك الجهود التي تبذلها الدولة من أجل مساعدة المتأثرين بالفيضانات أو السيول والكوارث الطبيعية في مشارق الأرض ومغاربها، وقوافل الخير التي تسيرها مملكة الإنسانية للتخفيف عن المتضررين من تلك الظواهر والابتلاءات، أيضاً أوصلت رسالة المواطن السعودي وقيادته الحكيمة، وتغطية وسائل الإعلام المختلفة لتلك الجهود عبرت عن وجدان الشعب وعكست دواخله، كما أن التفاعل والتعاون مع تلك القوافل المباركة يبرز سجية هذا الشعب وحبه للخير، ويثبت أنه مجبول على التكافل والتعاضد، وحينما يعكس الإعلام ذلك فقد يسهم في حث الآخرين لانتهاج ذات المسلك، ويشجعهم على التأسي بهذه القيم ويلفت انتباههم إلى أهميتها في حياة المجتمعات الإسلامية، وهذا يمثل الوجه الحسن للإعلام، وهو الوجه الذي يكرس الرسالة الإيجابية، ويعزز الدور المنتظر. أما الوجه الآخر للإعلام، فهو قد يأتي بقصد أو من غير قصد، لذا يقال إن الإعلام سلاح ذو حدين، ونحن نخشى الحد الخفي، لأن بعض صور الإعلام تأتي بنتائج سلبية على المجتمع، ولا تنصف الشعب، بل قد تجني عليه، ففي الوقت الذي يفلح الإعلام في إبراز القيم الأصيلة والصفات الجميلة من خلال الأخبار والمتابعات، فإنه من خلال بعض الأعمال الدرامية والكوميدية التي تسعى للإضحاك - ولو بحسن نية - لكنها تعطي انطباعاً سلبياً عن الشخصية الوطنية، خصوصاً الحلقات التي تتحدث عن السذاجة وتظهر المواطن وكأنه سطحي أو غير مواكب، أو تحاول التقليل من وطنية البعض، ولو كان ذلك من خلال عمل درامي هدفه الإضحاك أو التسلية، لكنه في واقع الأمر يعطي إشارة خاطئة عن هذا الإنسان الذي يتميز بخصال قل أن توجد لدى غيره، وهي صفات متوارثة ومتأثرة بالمكان والزمان وخصوصية هذا البلد الأمين.
هذه الملاحظة تقودنا إلى الانتباه لضرورة أن يرتقي الإعلام بدوره ورسالته لتصب في تكريس القيم الأصيلة لهذا المجتمع، وأن يعكس أداؤه دواخلنا، ويعبر عن وجداننا بصورة حقيقية، والتنبه لما تفرزه بعض البرامج من سلبيات تحسب على الإنسان السعودي، وتعطي انطباعاً خاطئاً عنه، وهذا - بالطبع - يؤثر على نظرة الآخر له، خصوصاً حينما تأتي الإشارات من إعلامنا الذي لم يعد يخاطب الداخل وحسب، بل أصبح له متابعون في كل مكان في هذا الفضاء الفسيح، لا سيما خلال الشهر الكريم.