لانعدام المشروع العربي الجامع لمعالجة مشكلات وقضايا المنطقة العربية المزمنة، ولانشغال العالم والأقطار العربية بمشكلاتها الذاتية، أخذتْ الدول العربية تتساقطُ في دائرة النفوذ الإقليمي والأجنبي، الذي أصبح يهيمنُ حتى على القرار العربي.
تَهَدَّمَ التضامنُ العربي وغابتْ المبادرات العربية الفاعلة التي حتى وإن أَطلَقتْ إحدى القوى العربية الحيَّة مبادراتَها لصالح الأمة العربية يعترضُها المستفيدون من الأوضاع الهشَّة التي أوجدتْ طبقةً من السياسيين المحللين الذين أصبحوا أدوات طيعة بيد القوى الإقليمية والأجنبية.
ضُرِبَ السِلمُ الأهلي في لبنان، وأخْفقتْ الدولة اللبنانية ومؤسساتها لصالح قوى التدخل الإقليمي، ودُمِرتْ الوحدةُ الوطنية الفلسطينية، بعد تأثر القرار الفلسطيني الذي أُضعفت استقلاليته بسبب تدخل الآخرين عرباً وأجانب. وجاءَ الغزو ثم الاحتلال الأنجلوسكسوني للعراق ليجهض على واحدة دولة من أكثر القوى العربية تَصَدِّياً للتدخل الإقليمي والأجنبي، وليصبح العراق أضعفَ حلقة في الأمن القومي العربي بدلاً من أن يكون أقوى حلقاته.
هذه الانتكاسات السلبية للواقع العربي - بعد أنْ أخَذَتْ المتغيراتُ الضارة تضربُ بوحدة وتماسك العرب - تفرضُ تحركاً وعملاً جامعاً ومبادرات تتجاوز التحركات الفردية وطرحَ حلول وقتية تُتَدَاول في المؤتمرات السنوية واللقاءات العابرة تنتهي بانتهاء اللقاء.
ولأنَّ الوضع في العراق وضعٌ يُنْبِئ بتغيرات خطيرة لا تقتصر على موازين القوى فقط، بل تؤسس لوضع خطير يتعدى تفتيتَ الدول العربية وتعزيزَ تغلغل النفوذ الإقليمي والأجنبي، كون العراق محطةً أولية لما يريد الآخرون فَرْضَه على العرب، وهذا ما يَفْرِضُ على العرب جميعاً قيادات ودولاً وشعباً، مهاماً جسيمةً ومسؤوليةً كبيرةً وتاريخية، لحماية مصير العراق مما يُرَتَّبُ له ومنذ سنوات، ليس فقط للحفاظ على الأمن الوطني العراقي بل الأمن العربي، كون العراق النافذةَ التي استطاعت القوى الإقليمية والأجنبية النفاذ منها، والتي تهدد إمداداتها بالوصول إلى أقطار عربية لا بد وأنْ تتأثر بما يجري على حدودها، وهو ما يتطلبُ مبادرةً عربيةً مبنية على مشروع عربي واضح يضطلعُ في مقدمة اهتماماته تحصينَ الأمن القومي العربي الشامل دون الانشغال بالأمن القُطْري الذي مهما حُصِّن فلا بد أن يُضْعَف ويُخْتَرَق لتداعي وضعف أمن واستقرار الدول العربية الأخرى.
ولهذا فإنَّ مبادرةَ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تَنْصَبُّ على معالجة الوضع في العراق، والوصول إلى توافق وتفاهم وطني يعيد العراق إلى الحصن العربي وينقذه مما يخطط له من إخضاعه للهيمنة وحتى التفتت.
ومبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتي تستهدف إنقاذ بلد عربي مهم ومعاونة شعب قدم للأمة العربية الكثير، ستكون مَدْخَلاً وتحركاً فاعلاً لصياغة مشروع عربي يحل محل المشروعات الإقليمية والأجنبية التي لا ترعي المصالح العربية العليا، رغم تخفي مطلقيها خلف شعارات أثبتت الأحداث زيفها على العرب جميعاً.
ومن هنا، فإنَّ مبادرةَ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحتاج أيضاً - إضافة إلى تفاعل واقتناع العراقيين بها - إلى دعم ومساندة قويَّين من جميع الدول العربية بلا استثناء، لأنهم بهذا يعززون ويدعمون بقاءهم بتعزيز أمنهم القومي.
JAZPING: 9999