يأتي هذا المقال وأعضاء هيئة كبار العلماء يتأهبون للسفر لمكة المكرمة كعادتهم السنوية حفظهم الله لأداء فريضة الحج على حساب الدولة الكريمة على أبنائها البررة! بينما السيدة حصة لم تستطع أداء مناسك الحج بسبب ضيق اليد ورداءة الحال برغم وجود ابنها اليتيم أحمد!
والسيدة حصة هي إحدى بنات هذا الوطن اللاتي فرحن مؤخراً بوجود وسيلة آمنة لكسب الرزق،بعد أن منَّ الله عليها ونعمت بالعمل محاسبة (كاشير) في أحد المراكز التجارية الكبيرة بدلا من وظيفة البسّاطة أمام سوق شعبي تمر عليها أجواء الفصول الأربعة في يوم واحد!
فهي الآن تخرج من بيتها الساعة التاسعة صباحا بعد أن تقوم بأعمالها المنزلية وتعود في الرابعة وقد اشترت ما يلزمها وأولادها الأيتام من ذلك المتجر. وأثناء خروجها تتقابل مع جارتها حنان التي تعمل في أحد البنوك مسؤولة عن القروض ذات الفوائد الربوية، أو المتحايلة على الربا في بيع سلع وهمية على المقترض, وتستلم حنان راتبا مجزيا لا يكاد يكفيها حتى نهاية الشهر، ولكنها سعيدة تمارس وظيفتها التي أحبتها. ولا تمانع من حضور بعض الجلسات المختلطة للإدارة العليا ولكنها بكامل حشمتها وتمام حجابها! وكانت حنان قبل عدة سنوات كارهة لطبيعة عملها موظفة في البنك بسبب فتوى من أحد المشائخ بعد سؤال من مشاهد حول جواز العمل في البنوك، وكانت الإجابة الجاهزة بأن العمل في البنك حرام! ولدواعي البطالة ولندرة الوظائف الحكومية تسامح الشيخ بفتواه بأنه يمكن العمل في البنك مؤقتا لحين الحصول على وظيفة حلال! ثم كف المشاهدون عن طلب الفتوى حول العمل في البنوك وتوقف المشائخ عن الحديث في هذا الموضوع، بل إن بعضهم تساهل في أمر البطاقات الائتمانية وتركوا للناس حرية تصرفاتهم ومعاملاتهم المالية! ونسي الناس تماما السؤال عن هذا الأمر. ولو قاست موظفات الكاشير هذه الفتوى على عملهن، ونظرن لمصلحتهن وأن اليد العليا خير من السفلى، وحافظن على أنفسهن سواء عند شغل هذه الوظيفة أو غيرها؛ لأصبحت مع الزمن حلالا مثلما هي وظائف البنوك الحالية التي يتسابق عليها الشباب والفتيات، والمحظوظ من يحصل عليها!
ومثل تلك الفتاوى ما صدر عن المفتي العام بأن قطع الإشارة حرام بعد أن عجز المرور عن ضبط المتهورين، ولكن تلك الفتوى لم تلقَ صدىً عند السائقين ولم تتداولها المنتديات ولم تطبل لها ربما لأنها لا تخص المرأة، ولم توقظ قلوب الناس كونها تنضوي تحت فتوى المجاملات، ولكن نظام ساهر أيقظها بالغرامات وجعلهم يفكرون مئة مرة قبل قطع الإشارة!
والآن تطفو على السطح فتوى الكاشيرات بعد أن أقلق بعض الأشخاص المشائخ بأسئلتهم غير البريئة الملغمة التي تحمل التشكيك، في إشارة لإلزامهم بتوظيف الفتوى لما يوافق هواهم، فكان لابد من استغلالهم لوقف مشاريع تنموية وإنسانية كعمل الفتيات في المتاجر حين لم تنجح الأصوات الفردية المتشددة، فصدرت الفتوى شبيهة بفتاوى تشقير الحواجب ولبس الكعب والتي لم يؤخذ بها، ووضعت في خانة فتاوى الدشوش وتحريم استيرادها أو تصنيعها! ولعل القراء يذكرون توزيع منشورات وأشرطة الكاسيت حول الدشوش في المدارس والمستشفيات وتم وضعها تحت أبواب المنازل، حتى ربحت القرطاسيات ومحلات التسجيلات، ووصف من لديه طبق فضائي بالديوث! وقبل أن يجف حبر الفتوى تقافز بعض الدعاة للظهور في القنوات الفضائية وصاروا (يتجاكرون) فيها حتى ترى الداعية في أكثر من قناة فضائية بوقت واحد!
وما أشبه الليلة بالبارحة، حين كانت جدتي تضفي شيلتها على وجهها أمام مذيع الأخبار في التلفزيون بحجة أنه أجنبي عنها ولا يجوز أن يتعورها!!