بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي أبانت عن الفساد الأخلاقي في المجتمعات المالية، وأظهرت على السطح العديد من ملامح الصراع الطبقي الدولي وبشكل فضيع ومخيف، بعد هذا الحدث الموجع خرجت أصوات عدة تقول بعدم جدوى تدريس مادة الأخلاق لطلاب إدارة الأعمال فالأساتذة غالباً في صف الشركات لمصلحة المجتمع بناء على ما يملكون من رصيد قيمي وعادات مجتمعية توارثوها جيلاً عن جيل وما زالت حية في نفوسهم التواقة والمتطلعة لصلاح حال المجتمعات، والطلاب وما هم عليه من حماس وتطلع للثراء السريع يقفون على النقيض فهم في صف الشركات لمصلحة المساهمين، والقيم الأخلاقية التي تدرس في القاعات الجامعية توجب على المتلقي أن يكون مع الحق وأن يتعامل حسب ما تنص عليه المرجعية التي ترسم له منهج حياته حين تعاملاته المالية فضلاً عن الاجتماعية والسياسية والفكرية، وفي هذا السياق أشار «مايكل سكابينكر» إلى أن (هناك عقبتين لتدريس الأخلاق لطلاب التخصص الأولى: أنه لا يوجد إجماع على الهدف الذي ينبغي أن تكون عليه الشركات، والأخرى: أنه ليس من السهل أبداً نقل التعلم من حجرة الدراسة إلى الحياة)، وطرحت «ماري جنتايل» الأستاذة السابقة في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد سؤالاً مهماً وبصيغة مباشرة، ترى هل هناك جدوى أو حكمة من تخريج طلاب إدارة أخلاقيين ؟، وخلصت إلى أنه لا جدوى من ذلك، بل ذهبت إلى أكثر من ذلك، إذ تقول (بعد سنوات من العمل في هذا المجال بدأت أتساءل هل من الأخلاق تدريس موضوع الأخلاق لطلاب تخصص إدارة الأعمال الذين سيعملون في مجتمع قائم على اللاأخلاق ؟).
الدائرة تتسع حين التأمل فيها فالسياسيون الذين يقودون العالم لا يختلفون غالباً عن الاقتصاديين الذين يتحكمون بحركة رأس المال وربما ماثلهم بعض العلماء المفكرين والاجتماعيين والنفسيين الذين يستهويهم الربح المادي فينسون القيم وتضيع أخلاقياتهم وسط الزحام...، ولذا يعود السؤال من جديد، ما فائدة تدريس الأخلاق وكثير من ضروب الحياة قائمة على أساس اللاأخلاقي وللأسف الشديد، وكثير ممن يملكون زمام الأمور ويتحكمون بالقرار ويربون الأجيال لا يلتزمون بالأخلاق حين يتعاملون مع الناس، هذا على المستوى الدولي؟ وفي مجتمعنا المحلي استوقفت الأرقام الكبيرة والنسب المطردة في قضايا الاعتداء على النفس والعقل والعرض والمال وقضايا المخدرات وغسيل الأموال وغيرها، استوقفت - كما تقول الرياض في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي- لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في مجلس الشورى..!! وهنا يعود السؤال من جديد، أين هؤلاء المتجاوزين الحد، العابثين بالقيم والمسلمات، المنتهكين ما حرم الله بأي شكل من الأشكال، أينهم من قيمنا الأخلاقية - الدينية، لماذا لم تؤثر عليهم مناهجنا الدراسية التي هي في مجملها ذات بعد أخلاقي وقيمي فعال، ألم يكن القرآن الكريم مقرراً دراسياً إجبارياً على هؤلاء الذين ارتكبوا أشنع الجرائم واقترفوا أسوء السلوكيات وللأسف الشديد، وربما يكونون من الأحداث!!، ترى هل تدريس مادة الأخلاق لطلابنا يجدي وله أثر على حياتهم اليومية أو أنه لا أثر له على واقعهم المعاش؟، ولنأخذ الموضوع بشكل أبسط ودائرة أشمل هل المربي - القدوة سواء أكان والداً أو معلماً أو مديراً أو مرشداً طلابياً أو... يلتزم سلوكياً بما يدرس من قيم وما ينصح به من أخلاق أم لا ؟، وعلى افتراض أنه لم يكن كذلك فهل المتلقي سيأخذ ما يسمع أم ما يرى ويلحظ، هل سيصدق قولك أم فعلك، وإذا كان المعلم مثلاً يتماثل سلوكه مع الأخلاق التي يدرسها لطلابه والأب والإعلام والشارع والأصدقاء بل المجتمع بأسره يناقض وينقض فما هي النتيجة المتوقعة لهذا الطفل الصغير؟.
إن أرقام القضايا كبيرة والبعض منها خطير وفيها ما هو موجع ومحزن ومستغرب حدوثه في مجتمعنا السعودي فالكم والكيف ينذران بخطر جسيم يلوح في الأفق وللأسف الشديد، وليس كما قيل إنه (لا جدوى من تدريس الأخلاق في مثل هذه الحال) فالخطأ كم نعلم لا يعالج بالخطأ ولكن الواجب تفاعل المجتمع ككل في حملة «تصحيح خلقي»، تطبيقية وليست نظرية وذلك من أجل خروجنا من الأزمات التي نعاني منها فهي ذات جذر خلقي غالباً حتى وإن تلبست بلباس العلم أو المال أو الجاه والتشخيص والدراسة هي الأس والتوجيه والإرشاد في الفعل أكثر من القول هو الطريق الصحيح لإعادة بنائنا الأخلاقي من جديد، فالبناء القيمي للمجتمع السعودي في خطر ونحن من سيدفنه أو يبعث به الحياة من جديد وإلى لقاء والسلام.