للمخدرات أشكال وأحجام متعددة ومتنوّعة ومذاقات مختلفة، ولها تباين واختلافات في المخاطر والتأثير، لا يكاد يمر وقت حتى تجدد المؤسسات الدولية والإقليمية والمحلية لوائح هذه المنتجات داعية الجمهور إلى الحذر منها والوقوع في أفخاخها من خلال نشرات توعوية تبث في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، تنشر البحوث والدراسات وتعد التقارير وتقام المؤتمرات والندوات للحد من هذه الأخطار المميتة والقاتلة، لكن لا أحد منا يلتفت إلى النوع الأخطر والأفتك والأشرس بالناس جميعاً، إن كل الحكومات والمنظمات الدولية، وهيئات الأمم المتحدة، وأجهزة المخابرات والشرطة الدولية مجتمعة لا يمكن لها التخلص من هذا النوع القاتل الخفي، فعندما يطلب طفلك لعبة وتقول له: سوف أشتريها لك في نهاية الأسبوع، فاعلم إنك تعطيه قرصاً مخدراً، وعندما يقول لك مديرك إنك ستحصل على علاوة أو مكافأة في نهاية السنة: فمعنى ذلك أنه أعطاك حقنة كافية ستخدرك لآخر السنة، وعندما تسمع الأخبار عن أن بعض الوزارات ستقوم بتنفيذ مشاريع عملاقة وجبارة ينتج عنها إتاحة الفرص الكبيرة والكثيرة للتوظيف، فاعلم أنك أو أنا أو نحن سنبقى على سرير التخدير ردحاً طويلاً من الزمن، وعندما تسمع لمتحدث رسمي إسرائيلي يصرح بأن السلام قادم لا محالة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وسيحدث هذا في الأشهر القليلة القادمة، فاعلم أنها جرعة تخديرية كبيرة ليس إلا، إن هذا النوع من المخدرات لا أحد ينجو منه، في البيت، في المدرسة، في العمل، في السياسة، في الاقتصاد، في علاقاتنا الاجتماعية المختلفة، لا أحد منا يعيش بلا تخدير، نحن نتبادل المخدرات فيما بيننا، من يعطينا حقنة ربما يأخذ هو أضعافها المضاعفة، إننا أدمنا هذا النوع من المخدرات، فأغلبنا تنتهي كل مطالبه بأخذ المخدر وكفى، لذلك نجد الكثيرين يبلعون الطعم، بعدها ينسون مشاكلهم وأزماتهم ومطالبهم واحتياجاتهم، كل شيء بالنسبة لهم ينتهي وحسب، ولتذهب رغباتهم وأمانيهم للجحيم، حتى إن بعضهم ينسى ما يريد أو ما يتمنى أو ما يرغب، ربما هي سنّة الحياة، وربما هي نتيجة عادات مكتسبة، وربما لأسباب أخرى نجهلها ولا نعيها، المهم أن الصدمة الكبرى تكمن في أن لا أحد منّا يؤكّد أن تلك هي أخطر المخدرات وأكثرها انتشاراً وأشدها فتكاً!