الشيخ (جميل الحجيلان) أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية، والشيخ (إبراهيم العنقري) رحمه الله وجعل روحه في أعلى عليين، والدكتور (محمد عبده يماني) أطال الله في ع مره ومتعه بالصحة والعافية.. ثلاثة رجال تعاقبوا على امتطاء صهوة وزارة الإعلام..
امتد عهد الأول في وزارة الاعلام أكثر من سبع سنوات كنت أعمل في الوزارة في أكثرها باستثناء عدة شهور من السنة الأولى وقد بوأني الشيخ (جميل) حفظه الله مكاناً قيادياً مرموقاً هو (إدارة إذاعة الرياض) في السنوات الأخيرة من عهده. وامتد عهد الثاني مدة خمس سنوات كنت فيها كلها (مديراً لإذاعة الرياض)، وقد سعى في أثنائها لحصولي على الرعوية السعودية الكريمة، وكان له ذلك.. ثم بدأ عهد الثالث الذي خدمت فيه الوزارة السنوات الخمس الأولى من ذلك العهد، والتي انتهت باستقالتي من العمل وتوجهي إلى (الشركة السعودية للأبحاث والتسويق) التي كلفتني بالسفر إلى (لندن) للعمل رئيساً لتحرير مجلة (المسلمون)!!
كانت انجازات الشيخ (جميل الحجيلان) كبيرة جداً على المستوى الإعلامي والمستوى الاجتماعي.
فهو أول من أدخل (المرأة) ملتزمة بعاداتها العربية وتقاليدها الإسلامية إلى الإذاعة للعمل معدة ومقدمة للبرامج فبدأ بأخته السيدة (نجدية بنت إبراهيم الحجيلان) المعروفة بالإذاعة باسم (سلوى إبراهيم) ثم بالسيدة (فاتنة بنت أمين شاكر) اللتين تعاقبتا على تقديم (ركن المرأة) ثم قدمتا برنامج (البيت السعيد) ثم بالسيدة (أسماء ضياء) التي أعدت وقدمت (برنامج الأطفال) تحت اسم (ماما أسما) وكل ذلك يحدث لأول مرة!!
وفي عهده قامت (إذاعة الرياض) في الأول من شهر رمضان من عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين وهاذ إنجاز كبير جداً!!
وفي عهده كذلك قام التلفزيون السعودي في عام ألف وثلاث مائة وخمسة وثمانين في كل من (الرياض) و(جدة) و(الدمام) وهذا إنجاز أكبر!!
وقد قوبل قيام التلفزيون في المملكة بامتعاض بعض علماء الدين، وكان بعضهم يوجس منه خيفة، ويخشى من تفشي الفساد وتدهور الأخلاق من قيامه! لكن الشيخ جميل استطاع بحكمته وصبره وأناته وسعة صدره، ومحاولاته المتعددة من خلال تكليف عدد من مراسليه وكنت واحداً منهم بأن يجتمعوا بأولئك العلماء، ويشرحوا لهم الموقف، ويبينوا لهم ضرورة المبادرة إلى المشاركة في برامج (التلفزيون)، وأن التقاعس في هذا الأمر لن يحل المشكلة المتصوّرة، بل سيفتح الباب أمام مشاركة غيرهم في هذه البرامج وافساح المجال أمام أصحاب الكفايات المتواضعة أو الرديئة!
وقد نَجَحَتْ تلك المحاولات الهادئة الرصينة المتعددة في استقطاب عدد كبير من أصحاب الفضيلة الأجلاء أمثال الشيخ (علي الطنطاوي) عليه رحمة الله، والشيخ (محمد بن إبراهيم بن جبير) عليه رحمة الله، والشيخ (عبدالعزيز الهويش) عليه رحمة الله، والشيخ (عبدالله بن خميس) أمد الله في حياته، والشيخ (عبدالعزيز بن صالح) عليه رحمة الله، والشيخ (عبدالمجيد بن حسن) عليه رحمة الله، والشيخ (محمد الهويش) أمد الله في حياته، والشيخ (مناع القطان) عليه رحمة الله، والشيخ (عبدالعزيز المسند) عليه رحمة الله، والشيخ (عبدالقادر شيبة الحمد)، والشيخ (عطية محمد سالم) والشيخ (زيد بن فياض) عليه رحمة الله، والشيخ (عبدالله بن عبدالمحسن التركي)، والشيخ (عبدالعزيز بن عبدالمنعم) وغيرهم وغيرهم.
فصاروا محدثين أساسيين ومحاورين بارزين وأصحاب برامج تلفزيونية كان لها وما يزال آثارها الإيجابية، ونتائجها النافعة المفيدة!
منها برنامج (مجالس الإيمان) وبرنامج (نور وهداية) وبرنامج (منكم وإليكم) وبرنامج (على مائدة الإفطار) وغيره وغيره!!
وفي عهد الشيخ جميل أنتجت إذاعة الرياض أول مسلسل درامي يومي ثلاثيني سعودي اقتبس من رواية الأستاذ (حامد الدمنهوري) عليه رحمة الله (ومرت الأيام) قام بإخراجه الأستاذ الشاعر (سعيد الهندي) عليه رحمة الله، وقام بتمثيله مجموعة من الممثلين والممثلات السعوديين، وأنتج كذلك عدداً من البرامج التمثيلية السعودية المحلية التلفزيونية وكانت في أغلبيتها من إخراج الأستاذ (منذر النفوري) عليه رحمة الله!!
ولعلّ أبرز ما أنتجته وزارة الإعلام في هذا الصدد الفيلم السينمائي الكبير عن (الحج) تحت اسم (الطريق إلى عرفات)، وكان من مقاس (35) مليمتر وبالألوان وكانت مدته حوالي ثلاث وستين دقيقة، وأنتج منه بالإضافة إلى النسخة الأصلية باللغة العربية نسختان إحداهما باللغة الإنكليزية والثانية باللغة الفرنسية، وقد وزعت نسخ من سنة إنتاجه في عام ألف وثلاث مائة وسبعة وثمانين على جميع سفارات المملكة ومكاتب الدعوة الإسلامية والمكاتب الثقافية في الخارج. وقد أشرف الشيخ (جميل) بنفسه على جميع مراحل إنتاج هذا الفيلم في (الرياض) و(جدة) و(بيروت) و(لندن)، وكان لي وللأخ الدكتور عمر الخطيب عليه رحمة الله شرف المساعدة في إنتاج هذا الفيلم العظيم الذي لم يُنْتِجْ أحدٌ حتى الآن -على ما أعلم- فيلماً آخر في موضوعه ومستواه لا قبله ولا بعده!!!
في هذا العهد أيضاً تم الانتهاء من مباني مكاتب واستوديوهات (إذاعة جدة) وكانت نقلة نوعية كبيرة في حينها، وانتقل العمل من مباني الاستوديوهات القديمة في (الكندرة) إلى المباني الجديدة.
وفي هذا العهد تم إنشاء مباني واستوديوهات (إذاعة الرياض).. ولكن لم يبدأ العمل فيها بعد الانتقال إليها إلا في عهد الشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمة الله، والذي بدأ في عام ألف وثلاث مائة وتسعين.
لم يطل عهده كثيراً، فقد استمر حوالي خمس سنوات لكنه عمل في هذه السنوات أعمالاً كبيرة جداً:
فكان الإنجاز الأول له أن قامت (وكالة الأنباء السعودية).
وكان الإنجاز الثاني هو قيام إذاعة (القرآن الكريم) في كل من مكة المكرمة والرياض.
وكان الإنجاز الثالث هو إقرار مجلس الوزراء للتعرفة الجديدة لمكافآت برامج الإذاعة والتلفزيون، وكان أهم ما فيها أنها زادت مكافآت البرامج زيادة تتناسب والمتغيرات الكثيرة التي طرأت على حياة الناس من جميع النواحي.. والتقطعه المهمة الثانية أنها أقرت مكافأة للعاملين في وزارة الإعلام غير رواتبهم لمن يعمل عملاً إضافياً مميزاً في مجال الإعداد أو الإخراج أو التقديم أو التمثيل.. الأمر الذي كانوا محرومين منه في التعرفة السابقة.
كذلك فقد قامت في عهد الشيخ (إبراهيم) عليه رحمة الله (وكالة الأنباء الإسلامية الدولية).
وبدأ في عهده قيام (اتحاد إذاعات الدول الإسلامية)، وفي أثناء انعقاد الجمعية العمومية لهذا الاتحاد في اجتماعها الأول في الرياض وفي شهر ربيع الأول من عام ألف وثلاث مائة وخمسة وتسعين، استشهد الملك (فيصل بن عبدالعزيز) عليه رحمة الله، وبعد ذلك أعيد تشكيل مجلس الوزراء من جديد وأسندت حقيبة وزارة الإعلام إلى الدكتور (محمد عبده يماني)، وكما ذكرت سابقاً فقد خدمتُ وزارة الإعلام في عهده مدة خمس سنوات فقط.
من الإنجازات التي شَهِدْتُها في عهده أنه كان أول وزير إعلام سعودي يعلنَ على الرأي العام في الداخل والخارج مضامين ما بحثه مجلس الوزراء في جلساته. ومن ثم أضحى ذلك قاعدة يُسار عليها فيما بعد. وكان السائد قبل ذلك أنه: (عقد مجلس الوزراء جلسته المعتادة ونظر في جدول الأعمال واتخذ القرارات اللازمة)، كما يقول الدكتور (بدر كريم) في كتابه الممتع (أتذكر)!!
وفي عهد الدكتور (يماني) انعقدت الجمعية العامة لإتحاد اذاعات الدول العربية في (تونس) في أواخر القرن الهجري الماضي، وكنت أمثل إذاعة وتلفزيون المملكة في ذلك الاجتماع. وقد أقرّت هذه الجمعية اقتراحاً قدّمه مندوب المملكة بالموافقة على إقامة مسابقة دولية سنوية للقرآن الكريم، يتسابق فيها أبناء وبنات العالم الإسلامي في حفظ القرآن الكريم وتلاوته وفي معرفة تفسيره ومعانيه وأن ترصد لهذه المسابقة المكافآت والجوائز التي تليق بها، وقد تم ذلك والحمد لله.. لكن الوزير، وزير الإعلام في ذلك الوقت، تنازل عن هذه المسابقة القرآنية الدولية السنوية لوزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وأياً كانت الوزارة التي تتشرف بالقيام بهذه المهمة العظيمة، فإن المهم أن تستمر هذه المسابقة قوية معطاء تجذب إليها آلاف الشبان والشابات في عالمنا الإسلامي كما هو حاصل وقائم منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولله الحمد.
وفي عهد الدكتور (يماني) أيضاً قام جهاز (تلفزيون الخليج) الذي يضم دول الخليج العربي كلها.
ومن الرجال الذين تذكرهم (وزارة الثقافة والإعلام) في هذا البلد، وكيل وزارة الإعلام الشيخ (محمد عبدالرحمن الشيباني) عليه رحمة الله، فقد كان بالاضافة إلى كونه وكيلاً لهذه الوزارة، يقوم بعمل (مدير عام الإذاعة والتلفزيون) خاصة في حال (شغور) هذا المنصب ممن هو فيه، وقد حصل ذلك في فترات كان بعضها طويلاً، لقد كان (الشيباني) عليه رحمة الله على رأس عمله طيلة عهد الشيخ جميل الحجيلان وجانباً قصيراً من بداية عهد الشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمة الله.
وأما الشيخ (فهد السديري) أطال الله في عمره، فَيُذْكَرُ على أنه أول من كلف بعمل (وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية).
ويذكر في هذا المجال الأستاذ (عباس فائق غزاوي) عليه رحمة الله أول مدير عام للإذاعة والتلفزيون، وقد بدأ هذا الرجل عمله الذي كان ناجحاً فيه من البدايات وترقى في السلم الوظيفي إلى أن وصل إلى منصب (المدير العام) قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية ويعمل في السلك الدبلوماسي.
ونذكر أيضاً الأستاذ (يوسف الدمنهوري) أول (مدير عام مساعد للتفزيون) والذي عمل في هذا المكان فترة طويلة قبل انتقاله إلى الصحافة، كما نذكر الدكتور (عبدالرحمن الشبيلي) أول مدير عام للتلفزيون حقق للتلفزيون نجاحاته الكبيرة الأولى.
من الرجال الذين يجب ألا ننساهم عدد من الكتاب والباحثين الأوائل الذين كان لهم قصب السبق في الكتابة في برامج الإذاعة بصورة خاصة أذكر منهم على سبيل المثال، في (جدة) الأستاذ عزيز ضياء، والأستاذ (أحمد محمد جمال)، والأستاذ الشاعر (أحمد قنديل)، والأستاذ الشاعر (طاهر زمخشري)، والأستاذ (محمد زكي عوض) رحمهم الله جميعاً وغيرهم وغيرهم.. ومن الرياض الشيخ (عبدالله بن خميس) مد الله في حياته، والأستاذ عمر عودة الخطيب، والشيخ (مناع القطان)، والدكتور (عبدالرحمن الباشا)، والشيخ (صالح العلي الناصر)، والشيخ (عبدالعزيز المسند) عليهم رحمات الله، والشيخ (محمد بن عمر بن عقيل)، والأستاذ الشاعر (حيدر الغدير)، والأستاذ (تركي عبدالله السديري) مد الله في حياتهم، والشيخ (منديل الفهيد) معد ومقدم برنامج (البادية) عليه رحمة الله، والأستاذ (محمد أبو سليم) مدّ الله في حياته، والأستاذ (عبدالرحمن السماري) مد الله في حياته.. وغيرهم وغيرهم.
إن هؤلاء الأستاذة من الكتاب والمفكرين والباحثين والأدباء مدُّوا الإذاعة بصورة خاصة بالكثير والكثير من عطاءاتهم، ورفدوها بالكثير الكثير من أفكارهم الجميلة وساهموا في تقدها وارتقائها ونهوضها.. ولا شك أن أسماءهم الكريمة والأسماء التي سبقتهم في هذا المقال ممن كان لهم دورهم البارز في إنشاء وتأسيس واقامة جهاز (الإذاعة) وجهاز (التلفزيون) في بلدنا والأجهزة المنبثقة عنهما.. إن أسماء هؤلاء أسماء خالدة يجب ألا ننساها ونحن نحتفل بأية مجموعة من الناس قدّمت في حياتها خدمات مميزة في مجال الإذاعة والتلفزيون.
على كل حال.. جزى الله خيراً كلا من الأستاذ (إبراهيم الصقعوب) وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد لشؤون الإذاعة، والأستاذ (سعد الجريس) مدير عام إذاعة الرياض، فقد فتحا لنا بالاحتفاء بالأحد عشر كوكباً من الرجال الذين قضوا نحبهم وهم على رأس العمل - كما قالا - فتحا لنا باباً واسعاً للحديث في هذا الموضوع، ولذلك فإن موعدنا هو اللقاء القادم.
للاتصال وإبداء الرأي: z-alayoubi@hotmail.com