صديقي د.عبدالرحمن الحبيب حينما كان يدرس في مدينة «ردنق» في بريطانيا، عبثت طفلته التي لم تتجاوز السنة الواحدة آنذاك بجهاز الهاتف، فضغطت أربعة أزرار متشابهة، ولم يمضِ سوى عشر دقائق حتى كان رجال الشرطة يطرقون الباب، إذ تم إبلاغهم عبر الأزرار المضغوطة بالعبث، بأنَّ ثمّة طفلاً في هذا المنزل يتعرّض للعنف من قبل أسرته! ولم يمضِ هؤلاء إلا بعد اطمئنانهم على الطفلة وأنها لم تتعرض بالفعل إلى العنف الأسري!.
هكذا تذكّرتُ هذه الحادثة، وقد قرأت عن إطلاق الرقم المجاني أو الرقم الساخن للأطفال الذين يتعرّضون إلى العنف الجسدي أو الإيذاء اللفظي في السعودية، وهو أمر جيد ويستحق الإشادة عليه، لكن أن يكون الرقم مكوَّنًا من ست خانات (116111) وفيها رقم شاذ أيضًا، فإن ذلك يحتاج إلى طفل بشوارب فعلاً، كي يستطيع أن يتصرَّف، فقد كان من المجدي أن يكون الرقم مكوَّنًا من ثلاث أو أربع خانات على الأكثر، أسوة بكثير من الدول الأجنبية أو المجاورة. وقد كان منطقيًا أن يتم تدشين الرقم والحملة التوعوية له في رياض الأطفال ومدارس التعليم الأولي، الحكومي والخاص، لأن معظم حالات العنف والاستغلال تحدث في المدارس، فضلاً عن الحملات الإعلانية في الوسائل المقروءة والمرئية والمسموعة، مع أن الطبيعي ألا يتم الإعلان عن الرقم في الصحف إلا بعد أن تتوفر الكفاءات سواء من حيث العدد أو الكيف، فليس منطقياً أن يتم بدء عمل الرقم الساخن لساعات محددة، ثمان أو تسع ساعات، لأنَّ المتعارف عليه أن يكون الخط يعمل ويجيب فور الاتصال به على مدى الأربع والعشرين ساعة، كم كان جيداً بألا يتم الإعلان عنه إلا بعد اكتمال المشروع تمامًا.
الأمر الآخر، ما العلاقة بين هذا المشروع الرائد وبين لجنة حماية الأسرة التي تقوم بها وتشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية؟ وهل هناك تكامل بينهما؟ أم أن كلاً يغني على (عنفاه)؟.
وهل سيكون دور أعضاء هذا المشروع بتوجيه الأطفال المعرَّضين للعنف والاستغلال في التهدئة تلفونياً؟ والشرح لهم عن كيفية التصرُّف في بعض المواقف؟ وتأكيد شكوكهم أو نفيها عند استغلالهم جسديَّاً؟ أم أن الدور يتعدَّى ذلك إلى السعي لإنقاذ هؤلاء الأطفال من العنف المنزلي والمدرسي؟ وإذا كان ذلك سيتحقق، فهل تم التنسيق مع الشرطة ووزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية و... و...؟ وهل هناك دور إيواء خاصة بهؤلاء المعرَّضين للعنف بعيداً عن دور الأيتام المعروفة، والتي يجب عدم اختلاط هؤلاء بأولئك؟ أم أنه ستتم الاستعانة بوزارة الشؤون الاجتماعية ودور الإيواء المحدودة والمختصَّة لديها، فينتقل الطفل من بيئة عنف إلى بيئة أخرى لا ينقصها العنف والفساد! فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار!
صحيح أن المشروع مهم جداً وضروري، ولكن لا يمكن أن يبدأ متعثراً، بحجة أننا سنعمل مبدئياً في ظل التجربة، فهو لا يحتاج إلى التجربة، إلا إذا كانت ثمة شكوك في أنه لا يوجد لدينا إطلاقاً أطفال يتعرضون للعنف الأسري اليومي! أما التجربة في كيفية عمله ونجاحه، فلا أعتقد أن إمكانياتنا البشرية والمادية تقل عن دول تفوقت في هذا العمل، مثل مصر وسوريا واليمن!