ماذا يمكن أن نصف أو نُسمي التقارير السرية الضخمة التي بثها موقع (ويكيليكس) حول الإعدامات والاعتقالات وجرائم التعذيب التي جرت في العراق منذ بداية الاحتلال الأمريكي وإلى يومنا هذا؟ تلك التقارير المروّعة التي أحرجت عواصم غربية وتحديداً (واشنطن ولندن)..
.. وطارت بها وسائل الإعلام على مستوى العالم. هل نصفها ب(الفضيحة الأخلاقية) للإدارة الأمريكية؟ بحكم أنها دولة الاحتلال المسيطرة على مجريات الوضع في العراق، والسبب الرئيس في كل ما يحدث فيه. أم هي (فضيحة سياسية)؟ كونها تعكس حقيقة المشروع السياسي العراقي الذي بشّر به الرئيس الأمريكي السابق بوش وسار على دربه الرئيس الحالي أوباما، رغم أن دولة العراق الجديد، التي تمثّل هذا المشروع مجرد حكومة محشورة في المنطقة الخضراء وسط بغداد تتنازعها ولاءات السياسة والدين والمال، وتحاصرها الجماعات الإرهابية من جهة والمقاومة العراقية من جهة أخرى. أم أن تلك التقارير (فضيحة طائفية) لحكومات عراقية متعاقبة؟ بحكم أنها تثبت أن جرائم القتل على الهوية وقصص التعذيب في السجون، التي طالما سحقت الأبرياء لم تكن من نسج الخيال. أم هي في الواقع المغيب (حرب استخباراتية) بين دول كبرى وأخرى إقليمية على أرض العراق؟ من خلال (لعبة المعلومة وتأثير الصورة)، لأن توقيت نشر تلك التقارير يأتي متزامناً مع مرحلة كسر العظم في إطار الصراع على تشكيل الحكومة العراقية.
مع ذلك فإن الوصف الواقعي ل(تقارير ويكيليكس) التي يُقدر حجمها ب(400 ألف تقرير)، ولا يمكن أن تكون كلها (مكذوبة) بطبيعة الحال، أنها (فضيحة حضارية) فضيحة للقيم الغربية والأمريكية تحديداً، كقيم (الحرية والديمقراطية والحقوق الإنسانية)، التي استُغلت في احتلال الدول، واستعمار الشعوب، ونهب خيرات ومقدرات الأمم ومواردها الطبيعية، ما يؤكد أن مشكلتنا مع العالم الغربي، ليست في ذات (الإنسان الغربي)، الذي ندخل معه في مشتركات كثيرة وعديدة كالعلم والاقتصاد والتقنية، فضلاً عن المنظمات والمواثيق الدولية وجهود إقرار السلم العالمي وإشاعة الحوار الأممي، إنما في (مشروعه الحضاري)، الذي يخفي تحت ردائه نوازع الاستعمار القديم، وإن كان يُظهر قيماً إنسانية ومبادرات خيّرة وتعاوناً أممياً، بدلالة أن خريطة الدول المحتلة في العالم هي عربية وإسلامية من حكومات غربية أو دول أخرى يدعمها الغرب كإسرائيل. يبقى السؤال: بماذا سيبرر الكتّاب المتأمركين المعلومات الواردة في تلك التقارير، كونهم ممن صفق لاحتلال العراق وأفغانستان بدعوى إشاعة الحرية ونشر الديمقراطية وتقرير الحقوق الإنسانية؟ سيقولون الغرب هو من كشف التقارير ما يدل على حضارة الغرب المنصفة.. كما قالوا عن فضائح سجن أبو غريب، بل قال أحدهم إن ما جرى في أبو غريب لا يدل على أخلاقيات الجندي الأمريكي.