في أزمان مضت كنا نسمع أن أطيافاً من شعوب إسلامية كانت تستقبل القادمين إليها من هذه الديار لا سيما ما جاور الحرمين والمشاعر المقدسة بمزيد من البشر والترحاب حتى إن أفراداً منهم يكادون يتبركون بالقادمين من ديار رسول الهدى وأصحابه البررة الكرام تقديراً لما وصلهم عنهم من سيرة حميدة وصيت طيب, وما عرفوا عنهم من نقاء في السريرة والعلن، وقوة في الحق ولين وعطف في مواطنه من غير خور ولا هوان، شدة في مكانها ولين في موضعه، بلغوا آفاق المجد والعز بما تحمله أنفسهم الكبيرة وهممهم العالية من صدق وإخلاص للنفس وللآخرين، استشعروا عظم الأمانة والمسؤلية فكانوا قائمين لها بالقسط.
كانت تلك الشعوب والأطياف ترى في صور القادمين من هنا نور وجوه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، كانت ترى نخوة القعقاع وعمرو وخالد وسعد وأصحابهم الكرام، وتتصور عدل عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد وأمثالهم، وتنتظر فقه وعلم وورع أنس ومالك وابن عباس ومن سار على دروب النور واليقين معهم وقبلهم وبعدهم، كانت تلك العيون في أطراف القارات حين تشاهد القادمين من قرب المشاعر المقدسة تلمع فيها صور خيول المعتصم وكأنها تسمع عدو وضبح الجياد، وصهيل الأفراس ملبية نداء من حاق بها الحيف وأحاطها الزيف فجلجل صوتها في عنان السماء فالتقطته عدالة الله ثم المعتصم فكان المشهد العظيم في تاريخ الأمة تتذكره هذه الأجيال والأطياف وتتوسمه في جنباتنا وجوانحنا، فما الذي يحدث الآن؟
تراجعت الثقة وبهتت الصورة عنا وعن موروثنا من أولئك الرواد, كلما زادوا قرباً منا أو اقتربنا من ديارهم فإن تلك المعاني والمفاهيم تتساقط واحدة تلو الأخرى ليس عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، بل عنا نحن الأحفاد القادمين إليهم أو المستقدمين لهم، تبددت بهجتهم بحلم التعايش والالتصاق بأحفاد القامات الطاهرة والأخذ منهم بكل فضيلة (إلا من رحم الله فعصمه وألهمه الرشد والتقى) فقد صدموا من شرائح (هداها الله) ناقضت كل الصور الباهرة عنا, وكل ما رواه التاريخ وتناقلته الركبان عن طباع ومحامد أبناء الجزيرة، كيف لا تتغير وتنقلب الصور وهم يشاهدون الزائر لبلادهم لعمل أو سياحة أول ما يسأل عن البار والمسيار، وعن المتعة في الروليت والشقة، وعن الاستجمام في المضطجع والمنتجع، وكانوا يتوقعون أن يسأل عن المسجد والمتحف والمكتبة ودار الأيتام والمعاقين والمركز الإسلامي، كيف لا تتداخل ألوان الصورة وتتراجع نقاوتها والقادم إليهم يطلب عروساً بعمر ابنته ويطلب تزوير عمرها ليكتب بالأربعين بدلاً من ثماني عشرة، وتكون في التأشيرة عاملة منزلية وهي في الحقيقة زوجة، خداع وتدليس وتزوير مما يبرهن أن ما في الضمائر وتخفيه الصدور أعظم، فهذه الزوجة ربما طردت بعد فترة وجيزة من المتعة أو انكشاف الأمر لأم العيال، والصور المخجلة التي غيّرت نظرة الاحترام والتقدير للبعض كثيرة وتدعو للأسف غير أن بعضاً آخر ولله الحمد يقدم صوراً أجمل.