عقب نشر مقاله (الاستقالة.. الدرس) ظن بعضٌ أنها العاطفة وجهت صاحبكم ليكتب بمحرك الصداقة والتلمذة؛ مدافعًا وربما قالوا: مندفعًا، ومع أنهما صوتان فقط فقد وزنهما بما يليق بهما؛ ممتنا للأصوات العديدة الأخرى المؤيدة (والمنشور بعضها في صفحته على الفيس، وعبر بريده ورسائل هاتفه) وتساءل: لو لم يقدم الغذامي استقالته التي لم يكن مضطرًا لها بل ساعيًا إليها فماذا ستقولون؟
كان قد عنون مقالته المشارَ إليها: (ليته لم يستقل) ثم استبدل بها ما نشره؛ فلم يكن الغذامي معنيًا بالخطأ أو مسؤولا عنه، ويستعيد - قبل أقل من عام وبعد إعلان فوز الدكتور بعلي بالجائزة - أن صاحبكم سأل أستاذه أبا غادة عن الكتاب؛ أيستحقُ القراءة فأجاب: إنه قد تصفحه ولم يجد فيه ما يقنعه فلم يقتنِهْ، ولعلمه بالغذامي الكبير فلم يرد لرأيه صدًى في اللجنة الاستشارية كيلا يجيء من يقول: إن الدكتور الغذامي قد تجاوز رأي المحكمين وحرم كتابًا من الفوز خشية أن يصرف النظر عن كتابه الذي ما يزال - بعد عشر سنوات من صدوره - الكتاب العربي الأول في هذا الحقل.
لم لا تسائلون اللجنة الاستشارية - إن كنتم مخلصين - عن بقية الكتب التي لم تفزْ، وهل قاموا بقراءتها كلها ليضمنوا أنها لا تصعد لمستوى الترشيح وفق آراء المحكمين، ولو أنصفوا لعرفوا أن المحكم مؤتمن وكشف السرقات ليس بالأمر اليسير؛ ما مضى منها وما هو آت.
إذن: ماذا لو لم يستقل الغذامي؟ سيرفعون عقائرهم بما يأنف منه الفارس الشهم حين المواجهة، وسيتكلمون عن الحرص على الماديات وتجاهل القيم والتمسك بالوجاهة والسفرات وفنادق الدرجة الممتازة وما تخلقه لحظة التشفي من هرمٍ شامخ مسايرةً أو متاجرةً أو هجاءً للذات قبل الآخر.
وسيختم بحكاية أخرى؛ فقد طُلب أستاذنا الغذامي مستشارًا غير متفرغ لوزير وأمضى زمنًا قصيرا ثم اعتذر رغم قيمة المكافأة الكبيرة لأنه رأى أنه لم يقدم شيئا يستحق، وذمته لا تحتمل عائدًا دون بذل، ولكم أن تقارنوه بالمتهافتين على مبالغ زهيدة من حملة الألف والدال والألف الدال ولو جاءتهم عبر معاريض وشفاعات.
استقال فغضبتم ولو لم يستقل لرقصتم، فماذا تريدون ؟