سيدتي الرواية: أكتب إليك هذه الرسالة، وأنا أعرف أنها ليست الرسالة الأولى التي تصلك من قارئ عاش معك عقوداً من الزمن قارئاً وكاتباً وباحثا في شئونك، وربما يكون من القلائل في العالم العربي الذين شغلوا بدراستك ونقدك، في زمن لا يلتفت إليك أحد من الدارسين الذين يحترمون قدراتهم، ولم تكن عندهم موهبة المغامرة (إن كانت المغامرة موهبة)، في ذلك الزمن كان الذي يبحث في الرواية كالذي يحرث في البحر، وكانت سيدة الموقف وملكة جمال النثر (القصة لقصيرة) فامتلأت أرفف المكتبات بالقصة القصيرة، كتابة، وبعض الدراسات، وكانت المكتبة العربية في المملكة تخلو من دراسة متكاملة على النمط الأكاديمي، ما عدا بعض الكتابات التي كان ينشرها الدكتور منصور الحازمي في جريدة الرياض، بعنوان (القصة والرواية)، وكان الاتجاه إلى الشعر والنثر السردي بصفة عامة، وأذكر أن لجنة المناقشة لقبول الخطة الدراسية في جامعة (جلاسكو) كادت ترفض الطلب لتسجيل رسالتي، لعدم قناعة بعض أعضائها بوجود رواية في المملكة العربية السعودية، فلا مراجع يعتمد عليها كدراسات أكاديمية محكمة، وبحوث حول هذا الموضوع، وكان البعض ينظر إلى المملكة كبلد للشعر منذ الجاهلية إلى اليوم، أما فن الرواية فلم يخطر ببال أحد منهم على الإطلاق، وقول أحدهم: لا يوجد في الجزيرة العربية أكثر من الشعر الذي يتغزل به العربي في النساء، ثم يتزوج منهن أربعاً، وإذا أراد الخامسة طلق أولاهن. كان يقول ذلك وهو يكاد يستلقي على ظهره من الضحك، ويدور الزمن، يا سيدتي، بعد عقدين ونصف لتتصدر المملكة أكبر كمية من الروايات، ويتسابق الناشرون على نشر الروايات كما يصفونها، ويقبض البعض منهم قيمة الطباعة قبل صدور الطبعة، ويكتب على غلافها (رواية) حتى لو لم يأذن له المؤلف بذلك، يعني قضية تسويق، ويشترط على بعضهم وجود كمية لا بأس بها من الجنس، وأخبار الشذاذ والمنحرفين على مذهب الكاتب المغربي (المملي على غيره) بوعلال الشكري، المعروف (محمد شكري) عفا الله عنه، وبهذا الشكل اختلط مصطلح السرديات ببعضها، ولم يعد هناك فرق بين أبنا العم (سرد) فصار كل منهم يسجل مروره باسم أخيه، وأخته، وعمته، فلا فرق بين مذكر ومؤنث، ولا كبير وصغير، فالقصة صارت رواية، والتاريخ صار رواية، والذكريات الساذجة صارت رواية، وكان السيد (نقد) مسئولاً عن مواليد السرد، فأوكل الأمر إلى عماله للقيام بمهامه، كما هي حال مجتمعنا الذي أوكل تربية أبنائه للخادمات والسائقين من شرق آسيا، والحمد لله على ما كتب وقدر!!!، فاختلط الحابل بالنابل، وصار الشاعر وكاتب المقال وكاتب القصة القصيرة، وكل من هب ودب روائياً يمتح من ذكرياته أحاديثاً تنضح بماضيه، أياً كان نوع ذلك الماضي، والعرب تقول: كل إناء بما فيه ينضح، والسيد نقد يسير في نقده على مخطط زمن العولمة، حيث اختلطت الأوراق حتى لا يوجد هناك من يقول (أنا ذا) كل الناس شركاء في وجبات الهمبرجر، ولو عدنا إلى نقادنا ودارسينا في بداية النهضة لوجدنا من يفرق بين أنواع السرد، ولنأخذ الدكتور منصور الحازمي مثالا، وهو من أوائل من كتب في الرواية العربية، والتاريخية بالتحديد، عند الروائي أبي حديد، فقد وضع عنوان مقالاته التي أصدرها في كتاب فيما بعد، بعنوان (القصة والرواية)، إذن هناك قصة وهي اسم عام، وهناك رواية لها شروطها وحدودها، واليوم يا سيدتي الرواية تعلّق عليك كل ما هو سرد، بصرف النظر عن المضمون الذي اختلط بالشكل، ومن المستفيد؟؟، بالتأكيد هو الناشر الذي يبيع الورق والناس يبحثون عن الفضائح في بلد الإسلام، وعليك أيتها الرواية السلام.