في الفندق الذي كنت أقيم فيه بالكويت من أجل تحكيم مسابقة شعرية تقام لأول مرة من (دون تصويت) توخياً للنزاهة، التقيت بطريق الصدفة بتاجر عراقي كان ينصت إلينا ونحن نتحدث عن الشعر الشعبي. بل كان يصغي بكل انتباه لدرجة أنه أدار وجهه عن زملائه الذين يجلسون معه وتوجه نحونا، نحن الشعراء الذين كنا نتناقش عن القضايا الشعرية كنقد الشعر والدرجة التي وصل إليها من الاستسهال والابتذال و(المهايطة) وما إلى ذلك من إسفاف محزن.
ولأن الرجل العراقي الذي كان يطالعنا قد نسي زملاءه تماماً، فقد أشار إليه أحد جلسائنا بأن ينضم إلينا حينما رأى انشداده لما كنّا نطرحه من قضايا، وحينما انضم إلينا قال لنا: إنه لا يستطيع مقاومة إغراء الشعر لأنه متذوق عريق لهذا الفن، بل إنه يحفظ الكثير الكثير من الشعر الشعبي العراقي ولذلك طلب منه أحد زملائنا أن يسمعنا بعض ما يحفظ من الشعر وبالفعل تهلل وجه الرجل وراح يلقي علينا بعض (الأبوذيات) العراقية الرائعة، والأبوذية لمن لا يعرفها هي ثلاثة أشطر تنتهي بقافية واحدة متاشبهة اللفظ مختلفة المعنى وتختتم عادة بشطر رابع قافيته (أيّه) وهكذا وبعد أن أمتعنا الرجل بالشعر العراقي سألناه عن سبب وجوده بالفندق أو بالأحرى وجوده في الكويت. فقال لنا: أنا جئت مع مجموعة من زملائي التجار ورجال الأعمال لعمل عقود مع شركات كويتية لتعمل في العراق فسألناه عن التعامل مع الشركات السعودية. فقال للأسف الشديد أن البضائع السعودية تأتينا عن طريق طرف ثالث من الدول المجاورة للعراق وذلك بسبب إغلاق مركز (جديدة عرعر) والذي لم يفتح بعد منذ اجتياح الكويت وحتى الآن، مع أن هذا المنفذ هو أقرب المنافذ إلينا ونحن بأمس الحاجة للتجارة السعودية والتي تأتي بطريقة (وين أذنك يا حبشي!) مع العلم أن هنالك العديد من الشركات العربية وغير العربية التي تتسابق للعراق من أجل إبرام العقود التجارية.
لذا ومن هنا وحسب كلام التاجر العراقي ولجهلنا بالتجارة، فإننا نطرح السؤال: ولماذا لم يفتتح بعد منفذ (الجديّدة) قبل أن تطير الطيور بأرزاقها؟!