طيور جميلة ذات ألوان مذهلة في التنسيق والتمازج، تلك الألوان التي أحبها كثيرا، وقفت في طريقها تبترد في ساحة داري، لفتني إليها تغريدها المختلف عن كل العصافير التي تقصد أشجارا تنوف بغبطة الخضرة، ورواء العروق.. عاجلت هروبها ببذور أعرف أن العصافير تلتم في الصباح حولها، فتتحول البقعة لمسرح غناء لا يمل القلب من سماعه، ولا الأذن من إيقاعه، فلم تهرب تلك الغريبة بعيدا، ولم تعد، بل ذهبت في سربها جماعة.. لم أتبين كيف تكونت، على الرغم من أن التي كانت أمامي منها، لا يزيد عددها عن ثلاثة..
لله ما أعظمك.. فحتى الطيور عل الرغم من معرفتها بالسليقة معنى الغذاء، لكنها بالسليقة ذاتها. تعرف الخوف، فاغترابها لا يوردها التهلكة.. وإن كان في المجازفة منها نحو البذور ما يقيم جوعها، فهي رحالة في دروبها حتى تستقر في أوطانها، ويقينها النجاة، إلا ما شاء ربي.. بينما الإنسان يفعل العكس، فيسلم نفسه في رحلات التجريب، لمهالك الأخذ النَّهِم، وإن لم يكن جائعا من دسم، بل لأنه طامعٌ في قشوره..
العصافير التي لا تملك عقلا، تملك فطرة، والفطرة بيضاء لا يخدشها أمرُ نيةٍ، لأن العصافير لا تعقل وهي حينئذ لا تنوي، ولا تعتزم.. تسيِّرها طبيعةٌ أودعها فيها من خلقها، لمسيرة كونٍ..
ما شاء الله وتبارك في خلقه جمالا وتكاملا وإتقانا وإعجازا..
الإنسان وحده من ينوي، ويقصد، من يعزم ويفعل، من يفكر ويقول..
إذن هو الذي إن شاء اغترب فهلك، حين يورد نفسه في مهالك الجهل، أو التحدي، أو الخروج عن السرب في محجة بياض الفطرة فيه..أو يحفظ لنفسه مرد النجاة..
ذلك لأنه المخلوق الوحيد الذي أكرمه الله تعالى بالعقل، ومن ثمَّ بمحجَّته، فأرسل له الرسل، وأنزل عليه القرآن.. وجعله في سرب نواياه، لا سرب أقرانه.. في تفرُّده مآلا ومسؤولية، لا في جماعة نهجه ومسالكه..
العصافير بالأمس تركت لي غذاءها منثورا.. ولم تغرها من الأرض زينة الشجر ولا لمعة الماء..
قُرّائي الأعزاء ألتقيكم بخير إن شاء الله بعد إجازة عيد الأضحى المبارك، جعله الله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وخروجاً مرضياً بذنب مغفور ودعوة مستجابة..