يتساءل كثيرون لماذا هذه الضجة على عمل النساء، بينما لا تحظى بطالة الذكور بنفس الاهتمام؟..
السبب ببساطة أن البطالة بين النساء تصل الآن، وحتى كتابة هذه السطور، إلى ما يقرب من 30% بين من يبحثون عن عمل ولا يجدون، وهي في الطريق لأن تتفاقم أكثر كما يقول المسؤولون في وزارة العمل، بينما أن بطالة الذكور هي في حدود 7% بين من يبحثون فعلياً عن عمل. بطالة الذكور معقولة إلى حد ما، وإن كانت تشارف على المساس بمرحلة الخطر، في حين أن بطالة النساء غير مقبولة إطلاقاً، وإذا بقيت على نفس المعدلات ستؤدي (حتماً) إلى هز الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي في البلد. بالنسبة للمملكة فإن ارتفاع نسبة البطالة بين النساء إلى هذه المعدلات، يجعلها (منطقياً) تتقدم على بطالة الرجال من حيث الأولوية، وتستدعي -بالتالي- أن تتضافر الجهود للسيطرة عليها عل اعتبار أن لها أولوية بحكم (الأرقام) وليس لأي شيء آخر. ومن هذا المنطلق جاء رفضنا لفتوى (الكاشيرات).
القضية -أيها السادة- قضية وطن، وقضية أمن، وقضية استقرار دولة، وهي لا تحتمل المجاملة، بل ولا التأجيل، ونحن جميعاً معنيون بالحفاظ على هذا الكيان الذي بناه المؤسس العظيم ورجاله بدمائهم وعرقهم. أعرف أن من وقعوا على الفتوى لا ينظرون إلى هذه القضية إلا من خلال زاوية غاية في الضيق، مؤداها أن عمل المرأة في هذه المهنة (قد) يُفضي إلى مُحرم، وتحتك بالرجال، فيقع المحذور، وبمنطق (باب يجيك منه ريح سده واستريح)، أو سد باب الذرائع -لا فرق- كانت الفتوى، وكان المنع، ولا يهم بعد ذلك أن يكون الباب الذي سُدَّ سيُسقط البيت على جميع ساكنيه ذكوراً وإناثاً أم لا، فالأمر على ما يبدو لا يعنيهم.
ورغم خطورة الإرهاب، والدماء التي أسالها الإرهابيون في الداخل والخارج، إلا أن الإرهاب في النهاية سيتم السيطرة عليه حتماً طال الزمن أو قصر، وكل المؤشرات التي بين أيدينا تؤكد ذلك، فالإنسان بطبعه ينحو إلى الاستقرار، ويجنح إلى الأمن، ويكره الدم، كما أن (العنف) قد يظهر في بعض الفترات التاريخية بين جماعة من الجماعات لدوافع شتى، لكن ظهوره هو بمثابة الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ولا ينفيها، وإلا فإن الأمن والاستقرار والتعايش رغم الاختلاف شرط ضرورة لاستمرار الحياة وبقاء الإنسان وأمن المجتمعات، هكذا هي فطرته التي فطره الله عليها. غير أن (العدو) الحقيقي الذي يتربص باستقرارنا وأمننا هو (البطالة)، ونتيجتها المباشرة (الفقر). وطالما أن معدلات البطالة، وخلفها الفقر تتفاقم بين الذكور والإناث، وهناك من يسعى (بوعي أو دون وعي) لإفشال الجهود للسيطرة عليها ومحاصرتها، مثل فتوى تحريم عمل الكاشيرات هذه، فإن النتيجة المؤكدة هي مزيد من المشاكل التي ستعصف باستقرار المجتمع، وتعقد المشكلة، ويستعر الفساد، فضلاً عن أن مثل هذه الفتوى ستظهر المؤسسة الدينية نفسها بمظهر عدم المكترث بمشاكل المواطن الحياتية. فالذي يجب أن يدركه المتشددون أن دخول المرأة إلى العمل في تجارة (التجزئة) والأعمال الصغيرة هو حل (جوهري) لامتصاص البطالة، والسيطرة عليها، هذا ما يقوله المختصون؛ وكل من لديه رأيٌ آخر فليتقدم، ودعك من الحلول (التلفيقية) التي ما أنزل الله بها من سلطان، مثل أن يُفصل الرجال عن النساء في الأسواق، فيكون للذكور أسواقهم، وللرجال أسواقهم، فالتاريخ منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم لم يعرف (إطلاقاً) مثل هذا الفصل، فلماذا نزاود حتى على أسواق المدينة والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كان طوال حياته يرتادها ولم يروَ عنه أنه أنكر الاختلاط بين الرجال والنساء فيها، فهل نحن ملكيون أكثر من الملك؟
إلى اللقاء.