هذا هو الجزء التاسع عشر، من وسم على أديم الزمن «لمحات من الذكريات» لمعالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر الذي أثرى الساحة الأدبية، وتوسع في أدب الذكريات، والحديث عن السّيرة الذّاتيّة، مع أنَّه يتّهم نفسه بالتّقصير، والذاكرة بالنسيان في ما لم يرصد في المذكّرة، أمّا القارئ.....
.....فهو يريد بسطاً في تلك الذكريات، التي توجد اختصاراً في المادة المطروحة، وقد يكون للمؤلف العذر، لأنَّ ما كلّ ما يُعْرف يقال، ويكفي من القِلَادَةِ، ما أحاط بالعُنُق، كما في المثل.
فالمؤلف قال عن هذا الجزء، في صفحة الغلاف الخارجيّة: هذا هو الجزء التاسع عشر من «وسم على أديم الزمن» ويحتوي على تاريخ حياتي في العام 1391هـ إلى بدء العام 1394هـ، وهو أول جزء تجتمع فيه ذكرياتي، في عملي في ثلاث جهات حكوميّة: الجامعة، وديوان المراقبة، وبدء عملي في وزارة الصّحة.
وفي المقدمة من ص5 لنهاية ص15، أوضح بعض النّقاط، منها تبرير المدوّن عن عمله في ديوان المراقبة بالقلّة، إذا ما قورن بالمدوّن عن بالجامعة، والسبب أنّ ما دوّن عن الجامعة اعتمد كثيراً، على ما سجّل في مذكرات الجيب، أمّا ما سجّل في المفكرات فلا يعدو أنْ يكون مواعيد مناسبات رسمية واجتماعية، للتذكير بوقتها، وهذا ما يبرز للقارئ بهذا الجزء، حيث زادتْ المواعيد عن المائة هذا ما رُصِدَ، أمّا ما لم يرصد فيزيد.
وهناك سبب آخر ذكره مختصراً، لأنه عضو في مجالس إدارات جهات: مجالس حكومية مثل مجلس الجامعة، ومجلس إدارة كليّة البترول ومجلس معهد الإدارة، أو غير حكوميّة مثل مجلس إدارة مدارس الرياض، ومجلس إدارة نادي الفروسية، إلى غير ذلك من أمور شخصية، تشغل الذّهن، وتأخذ حيزاً للتنفيذ بعد التفكير.
وقد اهتم بالتّعرف على عمل ديوان المراقبة، وأهمية إيجاد مبنى جديد، يتواءم مع عمل الديوان الآن، وأنه لا بد من استئجار مبنى يؤدّي الغرض المؤقّتْ.. ومن دراسته للديوان، وجد أنّ من أهم الأقسام، إنْ لم يكن القسم الأهم «التفتيش» فهو عصب العمل في الديوان، وعليه بعد الله أن يعتمد العمل، ويسيرو يُتْقَنْ، ومن حسن الحظّ أنّ مهمة التفتيش قد وكلت إلى رجل كفء في عمله، مقدرة وشجاعة وحسن تصرّف ونباهة، وحسن إدارة ومتابعة، وارتقاء في الخلق، وصواب تصرّف، ذلك هو الأستاذ عبدالعزيز الشويعر، الذي فضّل فيما بعد أن ينصرف إلى العمل الحرّ، فكانت أخلاقه، ومهارته وحُسْن تصرّفه مصدر نجاحه في العمل الجديد، وأساس سُمعته الحسنة، في المجال الذي اختاره ليكون عمله المفضّل وفقه الله وأعانه (ص12-13).
ثم ذكرى عن تعيينه وزيراً للصّحة عام 1394هـ، وبدأ دراسة جديدة لعمل جديد، وبعد إحاطته عِلْما بالأمور الرئيسة، استوجب الأمر مساهمته في تنظيم الوزارة، مسانداً لعمل الزملاء المخلصين، الذين عرفوها جيدا، وتطلّعوا إلى أنْ يروا آراءهم توضع على أرض الواقع، وكان أهم ما أخذ وقتاً، الالتفات إلى توفير المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصّحيّة (ص14-15).
ولتداعي المعلومات عنده وتوفّرها، حيث استغرقَتْ من صفحات الكتاب البالغة 613 صفحة، عدا الفهارس 541»صفحة» وقد ذكر الدكتور أسعد عبده، الذي طلب منه الدواوين الشّعريّة، التي صدرت للدكتور غازي القصيبي، فكان هذا فاتحة للحديث عن الدكتور غازي -رحمه الله-، وذكر عنه والعهدة على الرّاوي: أنه لما جاء ليعمل في الجامعة وعند مقابلته، أن المؤلف قال له: إذا كُنْتَ آتٍ إلى الجامعة، وفي ذِهْنِكَ أنّكَ ابن عبدالرحمن القصيبي، وأنك آتٍ لفسحة، فأبعد هذا عن ذهنك، العمل في الجامعة عمل شاق ولا يقبل إلا إنفاق وقت، لمن يعمل فيها بجدّ، كُلّه من الجهد المُضْنِي، ثم أردف قائلاً: ولا استبعد أني قُلْتُ ذلك، وإن كان هذا الخبر معرّضاً لخيال الدكتور غازي، الذي أحياناً يؤسِّسُ على نَدْفِهِ من الحقيقة، ثم نيلات في الخيال، ويملأ الأفق، وأحياناً عندما يجد الدكتور غازي: أن الأفق لم يَعُدْ يتّسع لخياله الجامح، ينزل إلى طبقات الأرض ويشارك الجنّ مملكتهم ولعلّهم هادنوه عندما جاء خياله في كتابه (الجنيّة) أجمل من الحقيقة. (ص81-82).
ولعلّ رابطته بالدكتور غازي -رحمه الله- فيما بعد، جعلته يتوسع في الحديث ويداعبه ويبيّن إعجابه به، فذكره في 16 صفحة من كتابه هذا كما نراه يفعل مثل هذا، مع الدكتور عبدالله الوهبي بمداعباته وخفّة ظلّه، حيث أورد من سيرته شيئاً في إحدى عشرة صفحة، ومحمد أبا الخيل أورده في 31 صفحة، أمّا الملوك وبعض الأمراض فكثير جداً وأمّا أسرة آل المنقور بدءا بمعالي الأستاذ ناصر المنقور، والملحق في بيروت عبدالمحسن وعبدالعزيز بن عبدالعزيز، فلهم في صفحات هذا الكتاب نصيب وافر، والتحدث بمكانتهم، ولعل من هذا الإعجاب اهتمامه بتأريخ الشيخ أحمد بن محمد المنقور، الذي حققه وطبعه مرتين (ص23). وغير هذا من الوقفات مع أشخاص لهم ثقلهم ومكانتهم كإبراهيم السويل وبناته لمى وأريج وعمير وأحمد مانع الملحق في القاهرة، وحسن المشاري وغيرهم كثير وهذا منه وفاء وتقديراً.
أما الرياض، حيث مقر الإقامة، ومدار الأعمال فقد ورد اسمها وجاء مقرونا بالمناسبة ووقائع الأحْدَاث، المرتبطة بالعمل والمناسبات المختلفة، فقد وردت أكثر من مائة مرة، ولأن ديوان المراقبة هو محطّته الثّانية في العمل، وهو جديد عليه بعد الجامعة، وهو مهتم بإجراء بصمات تنظيميّة فيه، وعلى نظامه، فقد جاء ذكره في 36 موضعاً، وكرر خبر تعيينه رئيساً بمرتبة وزير لما فيه من قفزة ومع أنه قد ترك الجامعة، إلا أنّه لم ينسها وأساتذتها، الذين يُثْنِي عليهم، ويهتمّ بموعد الامتحانات.
وأورد ما يدلّ على قفزات العقار، في أرض وقيمتها فقال: قصدي من ذكر هذا الأمر، أن أُرِي جانباً من جوانب الاقتصاد الذي يحكم الأراضي حسب الحاجة والعرض والطلب، فقال: كان للأخ علي التميمي أرضاً في مقابيل بيتي على شارع الأحساء، فكان الأخ علي يزورني ويحثني على أن أبحث له عن مشترٍ لأنها أمانة عنده لأيتام، فعرضها على أشخاص، وكل يعتذر لأن سعر المتر 30 ريالاً، فاشترك في شرائها اثنان، وفي عام 1404هـ، وصلت قيمة المتر في هذه الأرض 2500 ريال. (ص216-217).
ومن ذكرياته مع الملك فيصل، رحمه الله: أنه أفاض في سوق عكاظ، عندما تطرق الحديث إلى الآثار، وقال: إنه هو رحمه الله الذي حدد موقع سوق عكاظ، الذي كتب عنه ابن بليهد في كتابه الذي نفدت طبعته، وأنه حث ابنه على إعادة طبعه ففعل. إلا أنه بعد ذلك تباطأ في الطبع، فطبعه الملك. فذكرت له رحمه الله: أن ابن بليهد جاء لمصر لطباعته، وكنت أُصحح «بروفات الطبع»، وقد خرج الجزء الأول وأنا في مصر، والثاني سافرت لإنجلترا وهو على وشك أن يخرج، وقد أرسله لي وأنا في لندن، وقلت لجلالته: إن لكتاب فيه قيمة يعرفها من أراد أن يكتب عن أيام الخوف، وهذا الأمر لم يكتبه بدقة مثل ابن بليهد، وقد خصص له ملزمة كاملة، تُرِي كيف كان السبيل يُقْطَعْ، وقد رسم صوراً بشعة لما يَحْدُثُ للناس، إذا خرجوا من قرية إلى قرية، وقد مرّ هو بالتجربة. ويبدو أن هذا لفت نظر الملك، وقرر أن يعود إلى قراءته.
ثم قال: وقلت لجلالته عن كتاب ابن بليهد إن المستشرقين مهتمون به كثيراً، وكانوا يؤملون أن يقوم أحد بوضع فهارس وافية له، وأذكر أن البروفيسور «مارجنت» كان يودّ أن يجعل الكتاب، على صيغة قاموس، وفي هذا فائدة كبرى للدارس والباحث، وقلت لجلالته: إذا لم يعمل أحد العرب هذا، فقد يقومون به لحماسهم لذلك. (ص246-248).
وعن حديثه عن الأستاذ أحمد المانع، الملحق الثقافي السعودي بالقاهرة، قال: دخل قلوب الناس طلاباً وغير طلاب، بحسن الخلق، ومحبة خدمة إخوانه، ليست غريبة عليه، فهو عالم ابن عالم، بن علماء ومن بيت علم، لا يأخذك للمراقص إذا جئت مصر، ولا للمسارح والملاهي ولكن إلى بيوت الأدباء والعلماء، وحيث تكون الندوات المنتظمة، ولعل بقاءه هناك سعيدا بالقاهرة أتاه من أن هناك رياض علم، يرتفع فيها حيث يشاء، ويختار منها ما يريد -كان رحمه الله- خير ممثل للمملكة، يعطي صورة الرجل الجاد الدبلوماسي وكانت تفتح له الأبواب في جامعات مصر، لتقديرهم لشخصه وعلمه وحسن تصرفه، ووزنه للأمور كانت فترة عمله في القاهرة، من أدق الفترات السياسية، ولكنه كان يسير بين دروب الحياة، دون أن يشعر أن هناك ما يوجب عدم الاطمئنان، على حسن سير ما وُكِلَ إليه من عمل، عرفْتُهُ جيداً عندما ذهبت للتعاقد في السنتين اللتين ذهبت إلى مصر فيها للبحث عن مدسين إلى آخر ما أثنى عليه ومكانته ومعالجته للأمور (ص276-283).
فهذا الجزء فيه معلومات جديدة وقيّمة بحيث يحتار القارئ ماذا يأخذ وماذا يترك، وقد ختم المؤلف كتابه هذا بالفهارس وهي أنواع: فهرس الموضوعات، وفهرس الأسماء، وفهرس الأماكن، ونبذة عن المؤلف، ولم يجعل فيه وثائق ولا فهرساً للصور.