Friday  12/11/2010 Issue 13924

الجمعة 06 ذو الحجة 1431  العدد  13924

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

قال ليبرمان: وزير الخارجية الإسرائيلي، إنه لا توجد إمكانية لتحقيق السلام مع الفلسطينيين في السنوات العشرة القادمة.

وليبرمان المقيت والاستفزازي إلى أبعد الحدود صادق في ما قاله، رغم أن من سيحرجهم كلامه من بعض العرب سيقولون، على جاري عادتهم: هذا تكتيك صهيوني، أو رسالة ضغط كاذبة موجهة إلى العالم، تريد رفع ثمن القبول الإسرائيلي بالسلام، أو هو بالأحرى مناورة تضع حكومة نتنياهو أمام تشدد ....

يصعب عليها تجاوزه دون خسارة شعبيتها لصالح صهاينة أكثر تطرفا من أمثال ليبرمان، أو أن الوزير الصهيوني يزايد ليبدو وكأنه أكثر المتشددين في الحكومة تمسكا بمصالح إسرائيل والمستوطنين، في مسعى منه لزيادة تطرف الاتجاهات المتطرفة ، وجعل الرجوع عن الاحتلال والاستيطان أمرا مستحيلا، من خلال تصعيد تحدي «اليمين المعتدل» في الداخل، والحيلولة دون بلورة حل نهائي للمسألة الفلسطينية: بيد أميركا أو غيرها من البلدان والمنظمات الدولية.

انسجاما مع تاريخه، سيجد بعض عقلنا السياسي مبررات تحرف كلام ليبرمان عن مقاصده، وترى فيه أقوالا فارغة / مزايدة، مما يصدر عادة عن صهاينة يحاولون إخفاء صراعاتهم الداخلية، أو قبض ثمن مرتفع مقابل الموافقة على سياسات أميركا الجديدة في فلسطين. وإذن، لا يستحق ما يقوله المتطرف أن يؤخذ بالضرورة على محمل الجد، ولا يتطلب تعديل أو تغيير سياسات العرب الفلسطينية، خاصة بعد أن تكفلت أميركا بمواجهة أمثاله ممن يتشدقون بأقوال متشددة في إسرائيل، وهم قلة لا تملك غير تأثير جزئي ومحدود، فحذار من تصديقها، وإلا وقعنا في فخ نصب لنا وأدخلنا سياساتنا في دائرة ردود أفعال تسيء إلى مصالحنا العليا، وتبلبلنا.

هل كان ليبرمان يكذب ويعبر هذه المرة أيضا عن سياسات حزبه المتطرف دون غيره؟. وهل قال ما قاله لاعتبارات تتصل بصراعات داخلية وحسب؟. من الهبل تماما تجاهل ما قاله وزير خارجية العدو أو اعتباره مجرد رأي شخصي لا يمثل سياسة إسرائيل الرسمية، ولا يعبر عن إجماع الأحزاب والمؤسسات الصهيونية، وتاليا عن إجماع وطني يتخطى أي تشكيل حزبي أو سياسي. ليبرمان يقول الحقيقة، مثلما كان يقولها في الماضي وايزمان، وبن غوريون، وشاريت، وبيجن، ودايان، ورابين، ونتنياهو، وشارون، وأولمرت، لكن عقلنا رفض دوما تصديقهم وانساق وراء أوهام فوتت عليه معرفة الأسباب والاعتبارات التي أملت مواقفهم وتصريحاتهم، رغم أن الوقائع كذبت أوهامه كل مرة، وبينت أن ما قاله هؤلاء اليوم سرعان ما تحقق في الواقعين الإسرائيلي والعربي غدا، وأن فهلوة وشطارة العرب لم تؤذ أحدا غيرهم، وأن فيها هلاكهم، لكون حسابات الإسرائيليين لم تنبع يوما من اعتبارات ومصالح ضيقة، ولأن جهودهم انصبت دوما على مصالح تتصل بصراع تاريخي مديد ومعقد وغير شخصي، من غير الجائز أن يضفي أحد من قادتها عليه دلالات ومعاني تشوه حقيقته، وإلا وقعت إسرائيل في كمائن قاتلة وعجزت عن رؤية الواقع، واستبدلت معرفة حقيقة ما يحدث بعموميات وهمية لا وجود لها في الواقع، واقترفت أخطاء فادحة تهدد وجودها.

قال الإسرائيليون الحقيقة دوما حول مشروعهم وطبيعته. لكن ساستنا اعتقدوا أو توهموا أنهم يكذبون ويخادعون، وأن من الحكمة عدم تصديقهم. وعندما كانوا يكذبون، كان ساستنا يعتقدون أنهم يقولون الحقيقة، ومن الحكمة تصديقهم. في الحالتين، استغفلنا أنفسنا وفاتنا فهم ما يحدث ، ودفعنا ثمنا باهظا قيل دوما إنه قليل وغير مهم، وأحجمنا تاليا عن محاسبة من اقترفوا الأخطاء من حملة المسؤولية عندنا، وتعامل مع لدعوة إلى مسائلتهم وكأنها مس بكرامتنا الشخصية وعزتنا الوطنية.

ثمة، في ما يتعلق بتصريح ليبرمان، فارق مهم بين ما يحدث اليوم وما كان يحدث بالأمس القريب. اليوم، لم تعد القضية الفلسطينية شأنا عربيا، لقد صارت قضية محض فلسطينية، بعد أن أعفت حكومات العرب نفسها، وأعفتهم القيادة الفلسطينية، من تصديق أو تكذيب الصهاينة، أو اتخاذ مواقف من تصريحاتهم وسياساتهم. المشكلة أن الفلسطينيين تبنوا موقف العرب وأخذوا يتعاملون مع تصريحات الصهاينة باعتبارها جزئيات تتصل بمواقف حزبية داخلية، لا تعبر عن حقيقة سياستهم ومراميها العملية، رغم أن نتائجها ملموسة ويمكن رؤيتها بالعين المجردة في كل شبر من أرض فلسطين!.

مع بدء المفاوضات المباشرة، قال ليبرمان: إن على فلسطينيي عام 1948، الباقين في فلسطين المحتلة، مغادرة «إسرائيل» إلى أراضي ومناطق الدولة الفلسطينية. حتى لا يظن أحد أن هذا موقف ينفرد به ليبرمان وحده، ويشكك في أنه موقف صهيوني عام ومتفق عليه، أذكر بمطالبة نتنياهو الفلسطينيين الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، مقابل اعترافها بفلسطينية الدولة العربية، التي يقال إنها ستقوم على أراض احتلت عام 1967. ماذا تعني يهودية الدولة غير ترحيل العرب، وهم خمس سكانها، عنها؟. أين هي الدولة الفلسطينية التي ستستقبلهم، إن كان نتنياهو يجعل قيامها رهنا باعترافها بيهودية إسرائيل، أي بقبول ترحيل الفلسطينيين عنها؟.هل سيعتقد عقلنا السائد هذه المرة أيضا أن الصهاينة يفتقرون إلى موقف موحد حيال فلسطين؟. إذا كان بيننا من لا يصدق ليبرمان، المدعوم نتنياهويا، فهذا يعني أننا لم ولن نتعلم شيئا من هزائم ومهانات تعرضنا لها على أيدي الصهاينة، وأن حالنا ميؤوس منها إلى درجة يصعب فهمها أو التخلص منها.

إن من لا يصدق ليبرمان هو الذي لا يريد أن يفعل شيئا ضده أو من أجل فلسطين. لكن المواطن العربي يصدقه، ليس لأنه يملك معلومات يفتقر إليها السياسي، أو لأنه متفرغ لدراسة «القضية المقدسة»، كما يصفها الإعلام الرسمي، بل لأنه يراقب من حين لآخر ما يحدث في الواقع، ويلمس العجز العربي عن فعل أي شيء من شأنه تبديل علاقات القوة، وتاليا النتائج التي يجب أن تنتهي إليها المفاوضات مع العدو، أو الصراعات ضده. يصدق مواطننا العربي ليبرمان، لأنه يرى انعكاسات أقواله المأساوية على أراضي العرب المحتلة وشعب فلسطين، ويعتبرها بحق نتيجة ليس فقط لخطط لصهاينة وسياساتهم، بل كذلك لما بلغته أوضاع العرب من تهافت يشجع الصهاينة على إطلاق أيديهم في فلسطين وجوارها، وتهديد وجودنا، الذي لم يكن قريبا في أي وقت مضى من حافة الهاوية مثلما هو اليوم !.

خلال مائة عام، كان تصديق الصهاينة يعد خيانة رسمية. وكان العقل العربي يعتقد أنهم ليسوا غير زمرة تافهة من المشردين الأوغاد، يكفي أن يلوح بالعصا أو السيف في وجوههم حتى يفروا مذعورين إلى حيث أتوا. آنذاك،كان القول بوجود خطر صهيوني يعد ضربا من الكفر والزندقة. وحتى بعد استيلاء الصهاينة على فلسطين، بقي من مسلماتنا التي لا تحتمل النقاش أننا سنطردهم منها في أول صدام بيننا. يفسر هذا لماذا هلل بعض النظم للحرب ورحب بنشوبها، واتهم من ترددوا في الاندفاع إليها بالخيانة، واتهمهم بالامتناع عن اهتبال الفرصة لاسترداد فلسطين، مع أنه صار مسألة ساعات، والقليل من الجهد.

واليوم، لا نصدق أيضا ما يقوله غلاة الصهاينة من أمثال ليبرمان، ليس لأننا سنحرر فلسطين خلال ساعات وبقليل من الجهد، بل لأننا فقدنا الجرأة حتى على مجرد التفكير بتحريرها أو بالصدام مع العدو، وأحجمنا منذ قربة أربعين عاما عن خوض أي معركة أو مناوشة ضده، مهما كانت محدودة وصغيرة. كنا نحتقره ونستصغر شأنه، فصرنا نحتقر أنفسنا ونستصغر شأننا. وفي هذا ما فيه من كارثة أنزلناها بأنفسنا: بأيدينا قبل أيدي العدو.

ترى، إذا لمَ نصدق ليبرمان، كيف سنحبط مسعاه، ونفشل خططه، ونعد العدة لطرده وأمثاله من ديارنا؟.

 

صدقوا ليبرمان!
ميشيل كيلو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة